للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِنْ مُرْسَلِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ مَحْكُومٌ بِوَصْلِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَيُؤَيِّدُ الثَّانِي مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ عَامِرِ بْنِ صَالِحٍ الزُّبَيْرِيِّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: سَأَلْتُ. وَعَامِرٌ فِيهِ ضَعْفٌ لَكِنْ لَهُ مُتَابِعٌ عِنْدَ ابْنِ مَنْدَهْ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ

(كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟) أَيْ صِفَةُ الْوَحْيِ نَفْسِهِ أَوْ صِفَةُ حَامِلِهِ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَإِسْنَادُ الْإِتْيَانِ إِلَى الْوَحْيِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ ; لِأَنَّ الْإِتْيَانَ حَقِيقَةٌ مِنْ وَصْفِ حَامِلِهِ، وَيُسَمَّى مَجَازًا فِي الْإِسْنَادِ لِلْمُلَابَسَةِ الَّتِي بَيْنَ الْحَامِلِ وَالْمَحْمُولِ، أَوْ هُوَ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ ; شُبِّهَ الْوَحْيُ بِرَجُلٍ وَأُضِيفُ إِلَى الْمُشَبَّهِ الْإِتْيَانُ الَّذِي هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَفِيهِ أَنَّ السُّؤَالَ عَنِ الْكَيْفِيَّةِ لِطَلَبِ الطُّمَأْنِينَةِ لَا يَقْدَحُ فِي الْيَقِينِ، وَجَوَازُ السُّؤَالِ عَنْ أَحْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ.

(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحْيَانًا) جَمْعُ حِينٍ يُطْلَقُ عَلَى كَثِيرِ الْوَقْتِ وَقَلِيلِهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مُجَرَّدُ الْوَقْتِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: " أَوْقَاتًا "، وَنَصَبَ ظَرْفًا عَامُلُهُ (يَأْتِينِي) مُؤَخَّرٌ عَنْهُ، وَفِيهِ أَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ إِذَا كَانَ ذَا أَقْسَامٍ يَذْكُرُ الْمُجِيبُ فِي أَوَّلِ جَوَابِهِ مَا يَقْتَضِي التَّفْصِيلَ، (فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا لَامٌ سَاكِنَةٌ، أَصْلُهُ صَوْتُ وُقُوعِ الْحَدِيدِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى صَوْتٍ لَهُ طَنِينٌ، وَقِيلَ صَوْتٌ مُتَدَارَكٌ لَا يُدْرَكُ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ. (الْجَرَسِ) بِجِيمٍ وَمُهْمَلَةٍ الْجُلْجُلُ الَّذِي يُعَلَّقُ فِي رُءُوسِ الدَّوَابِّ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْجَرْسِ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ الْحِسُّ، قِيلَ: الصَّلْصَلَةُ صَوْتُ الْمَلَكِ بِالْوَحْيِ

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ أَنَّهُ صَوْتٌ مُتَدَارَكٌ يَسْمَعُهُ وَلَا يُثْبِتُهُ أَوَّلَ مَا يَسْمَعُهُ حَتَّى يَفْهَمَهُ بَعْدُ، وَلَمَّا كَانَ الْجَرَسُ لَا تَحْصُلُ صَلْصَلَتُهُ إِلَّا مُتَدَارَكَةً وَقَعَ التَّشْبِيهُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ آلَاتٍ، وَقِيلَ: صَوْتُ حَفِيفِ أَجْنِحَةِ الْمَلَكِ، وَالْحِكْمَةُ فِي تَقَدُّمِهِ أَنْ يَقْرَعَ سَمْعَهُ الْوَحْيُ فَلَا يَبْقَى فِيهِ مَكَانٌ لِغَيْرِهِ. (وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ) ; لِأَنَّ الْفَهْمَ مِنْ كَلَامٍ مِثْلِ الصَّلْصَلَةِ أَشَدُّ مِنَ الْفَهْمِ مِنْ كَلَامِ الرَّجُلِ بِالتَّخَاطُبِ الْمَعْهُودِ، وَفَائِدَةُ هَذِهِ الشِّدَّةِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَشَقَّةِ مِنْ زِيَادَةِ الزُّلْفَى وَالدَّرَجَاتِ، وَأَفْهَمُ أَنَّ الْوَحْيَ كُلَّهُ شَدِيدٌ وَهَذَا أَشَدُّهُ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْقَائِلِ وَالسَّامِعِ، وَهِيَ هُنَا إِمَّا بِاتِّصَافِ السَّامِعِ بِوَصْفِ الْقَائِلِ فَغَلَبَتِ الرُّوحَانِيَّةُ، وَهُوَ النَّوْعُ الْأَوَّلُ وَإِمَّا بِاتِّصَافِ الْقَائِلِ بِوَصْفِ السَّامِعِ، وَهُوَ الْبَشَرِيَّةُ وَهُوَ النَّوْعُ الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ أَشَدُّ بِلَا شَكٍّ، وَقَالَ السَّرَّاجُ الْبَلْقِينِيُّ: سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ الْعَظِيمَ لَهُ مُقَدَّمَاتٌ تُؤْذِنُ بِتَعْظِيمِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَكَانَ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً.

وَقِيلَ: كَانَ يَنْزِلُ هَكَذَا إِذَا نَزَلَتْ آيَةُ وَعِيدٍ، قَالَ الْحَافِظُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْقُرْآنِ كَمَا فِي حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ فِي قِصَّةِ لَابِسِ الْجُبَّةِ الْمُتَضَمِّخِ بِالطِّيبِ فِي الْحَجِّ، فَفِيهِ أَنَّهُ رَآهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَالَةَ نُزُولِ الْوَحْيِ وَأَنَّهُ لِيَغُطُّ.

(فَيَفْصِمُ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ يُقْطَعُ (عَنِّي) وَيَتَجَلَّى مَا يَغْشَانِي، وَيُرْوَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ، وَفِي رِوَايَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>