قِرَاءَتَهَا فَيَجِبُ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ، وَيَرُدُّهُ تَصْرِيحُ عُمَرَ بُقُولِهِ: وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ. فَإِنَّ انْتِفَاءَ الْإِثْمِ عَمَّنْ تَرَكَ الْفِعْلَ مُخْتَارًا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ.
(قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ إِذَا قَرَأَ السَّجْدَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَيَسْجُدَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ النُّزُولُ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: رَوَى عَلِيٌّ يُكْرَهُ أَنْ يَنْزِلَ عَنِ الْمِنْبَرِ يَسْجُدُ سَجْدَةً قَرَأَهَا.
(قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ عَزَائِمَ سُجُودِ الْقُرْآنِ) أَيْ مَا وَرَدَتِ الْعَزِيمَةُ عَلَى فِعْلِهِ كَصِيَغِهِ الْأَمْرِ مَثَلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْمَنْدُوبَاتِ آكَدُ مِنْ بَعْضٍ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْوُجُوبِ (إِحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً) آخِرُ الْأَعْرَافِ، وَ (الْآصَالِ) فِي الرَّعْدِ، وَ (يُؤْمَرُونَ) فِي (النَّحْلِ) ، وَ (خُشُوعًا) فِي سُبْحَانَ، وَ (بُكِيًّا) فِي مَرْيَمَ، وَ (إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) فِي الْحَجِّ، وَ (نُفُورًا) فِي الْفُرْقَانِ، وَ (الْعَظِيمِ) فِي النَّمْلِ، وَ (لَا يَسْتَكْبِرُونَ) فِي الم السَّجْدَةِ، وَ (أَنَابَ) فِي ص، وَ (تَعْبُدُونَ) فِي فُصِّلَتْ.
(لَيْسَ فِي الْمُفَصُّلِ مِنْهَا شَيْءٌ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَ (النَّجْمِ) فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا» .
وَحَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقَالَ: لَيْسَ فِي الْمُفَصَّلِ سَجْدَةٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: وَأُبَيٌّ وَزَيْدٌ فِي الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ كَمَا لَا يَجْهَلُ أَحَدٌ، زَيْدٌ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ مَاتَ، وَقَرَأَ أُبَيٌّ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرَّتَيْنِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى أُبَيٍّ وَهُمْ مَنْ لَا يُشَكُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَهُ إِلَّا بِالْإِحَاطَةِ مَعَ قَوْلِ مَنْ لَقِينَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةَ، وَكَيْفَ يَجْهَلُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ سُجُودَ الْقُرْآنِ وَقَدْ قَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَهُ: " «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُقْرِئَكَ الْقُرْآنَ» ". قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: ثُمَّ قَطَعَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ بِإِثْبَاتِ السُّجُودِ فِي الْمُفَصَّلِ، قَالَ غَيْرُهُ: وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَضَعَّفَهُ الْمُحَدِّثُونَ لِضَعْفٍ فِي بَعْضِ رُوَاتِهِ وَاخْتِلَافٍ فِي إِسْنَادِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَالْمُثْبَتُ مُقَدَّمٌ عَلَى الثَّانِي.
وَتَقَدَّمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَجَدَ فِي إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ» " وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ: " «لَوْ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْجُدُ لَمْ أَسْجُدْ» ". وَلِلْبَزَّارِ وَالدَّارَقُطْنِيِّ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَجَدَ فِي سُورَةِ النَّجْمِ وَسَجَدْنَا مَعَهُ» ". وَأَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّمَا أَسْلَمَ بِالْمَدِينَةِ.
(قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ يَقْرَأُ مِنْ سُجُودِ الْقُرْآنِ شَيْئًا) فَيَسْجُدُ (بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ) فَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ (وَ) دَلِيلُ (ذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute