وَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّ الذِّكْرَ الْمَذْكُورَ يُقَالُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ وَقَلَّ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مُعَرَّضًا أَوْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ مُتَشَاغِلًا بِمَا وَرَدَ أَيْضًا بَعْدَ الصَّلَاةِ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ، فَلَا يَضُرُّ (ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبَّرَ) أَيْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ (ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَ) قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ (ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) هَكَذَا بِتَقْدِيمِ التَّكْبِيرِ عَلَى التَّحْمِيدِ، وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا.
وَفِي أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ الْحَكَمِ، وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «يُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ وَيُسَبِّحُ» ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَفِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ تَقْدِيمُ التَّسْبِيحِ عَلَى التَّحْمِيدِ وَتَأْخِيرُ التَّكْبِيرِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ دَالٌّ عَلَى أَنْ لَا تَرْتِيبَ فِيهَا، وَيُسْتَأْنَسُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ: " «الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ» " لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْأَوْلَى الْبُدَاءَةُ بِالتَّسْبِيحِ لِتَضَمُّنِهِ نَفْيَ النَّقَائِصِ، ثُمَّ التَّحْمِيدِ لِتَضَمُّنِهِ إِثْبَاتَ الْكَمَالِ لَهُ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ النَّقَائِصِ إِثْبَاتُ الْكَمَالِ، ثُمَّ التَّكْبِيرِ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِثْبَاتِ الْكَمَالِ وَنَفْيِ النَّقَائِصِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ كَبِيرٌ آخَرُ، ثُمَّ يَخْتِمُ بِالتَّهْلِيلِ الدَّالِّ عَلَى انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِجَمِيعِ ذَلِكَ كَمَا قَالَ.
(وَخَتَمَ الْمِائَةَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ) عَلَى الْحَالِ، أَيْ مُنْفَرِدًا (لَا شَرِيكَ لَهُ) عَقْلًا وَنَقْلًا، وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] (سُورَةُ الْإِخْلَاصِ: الْآيَةُ ١) {إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الأنعام: ١٩] (سُورَةُ الْأَنْعَامِ: الْآيَةُ ١٩) وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيِ. (لَهُ الْمُلْكُ) بِضَمِّ الْمِيمِ، أَيْ أَصْنَافُ الْمَخْلُوقَاتِ. (وَلَهُ الْحَمْدُ) زَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ: " «يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ» " (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، وَلِمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، وَالنَّسَائِيِّ فِي حَدِيثَيْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عُمَرَ: يُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَيُخَالِفُهُ قَوْلُهُ وَيَخْتِمُ. . . إِلَخْ، وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَثْلِهِ لِأَبِي دَاوُدَ فِي حَدِيثِ أُمِّ الْحَكَمِ، وَلِجَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ النَّوَوِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يُكَبِّرَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَيَقُولَ مَعَهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. . . إِلَخْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ يَجْمَعُ بِأَنْ يَخْتِمَ مَرَّةً بِزِيَادَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. . . إِلَخْ، عَلَى وَفْقِ مَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ. (غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ) الصَّغَائِرُ حَمْلًا عَلَى النَّظَائِرِ (وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ) وَهُوَ مَا يَعْلُو عَلَيْهِ عِنْدَ هَيَجَانِهِ.
وَظَاهِرُ سِيَاقِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مُتَوَالِيَةً، ثُمَّ كَذَلِكَ مَا بَعْدَهَا، وَقِيلَ: يَجْمَعُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بَيْنَ التَّسْبِيحِ وَمَا بَعْدَهُ إِلَى تَمَامِ الثَّلَاثَةِ وَثَلَاثِينَ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ لِلْإِتْيَانِ فِيهِ بِوَاوِ الْعَطْفِ فَيَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، لَكِنَّ الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةَ لِلْأَكْثَرِ بِالْإِفْرَادِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ أَرْجَحُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيَظْهَرُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْأَمْرَيْنِ حَسَنٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute