لَكِنْ يَتَمَيَّزُ الْإِفْرَادُ بِأَنَّ الذَّاكِرَ يَحْتَاجُ إِلَى الْعَدَدِ، وَلَهُ عَلَى كُلِّ حَرَكَةٍ لِذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ بِأَصَابِعِهِ أَوْ بِغَيْرِهَا ثَوَابٌ لَا يَحْصُلُ لِصَاحِبِ الْجَمْعِ مِنْهُ إِلَّا الثُّلُثُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّ كُلًّا مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ أَحَدَ عَشَرَ، وَفِي رِوَايَاتٍ عَشْرًا عَشْرًا. وَجَمَعَ الْبَغَوِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَدَرَ فِي أَوْقَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَوَّلُهَا عَشْرًا ثُمَّ إِحْدَى عَشْرَةَ ثُمَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ أَوْ يَفْتَرِقُ بِافْتِرَاقِ الْأَحْوَالِ.
وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَهُمْ أَنْ يَقُولُوا كُلَّ ذِكْرٍ مِنْهَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَيَزِيدُوا فِيهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ» " رَوَاهُمَا النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ.
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْأَعْدَادُ الْوَارِدَةُ فِي الْأَذْكَارِ كَالذِّكْرِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ إِذَا رُتِّبَ عَلَيْهَا ثَوَابٌ مَخْصُوصٌ فَزَادَ الْآتِي بِهَا عَلَى الْعَدَدِ لَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ الثَّوَابُ الْمَخْصُوصُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ لِتِلْكَ الْأَعْدَادِ حُكْمًا وَخَاصِّيَّةً تُفُوتُ بِمُجَاوَزَةِ الْعَدَدِ، وَنَظَرِ فِيهِ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّهُ أَتَى بِالْقَدْرِ الَّذِي رُتِّبَ الثَّوَابُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ فَحَصَلَ لَهُ ثَوَابٌ، فَإِذَا زَادَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ كَيْفَ تُزِيلُ الزِّيَادَةُ ذَلِكَ الثَّوَابِ بَعْدَ حُصُولِهِ؟ قَالَ الْحَافِظُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَفْتَرِقَ الْحَالُ فِيهِ بِالنِّيَّةِ، فَإِذَا نَوَى عِنْدَ الِانْتِهَاءِ إِلَيْهِ امْتِثَالَ الْأَمْرِ الْوَارِدِ، ثُمَّ أَتَى بِالزِّيَادَةِ لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ نَوَى الزِّيَادَةَ ابْتِدَاءً بِأَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ رُتِّبَ عَلَى عَشَرَةٍ مَثَلًا فَذَكَرَ هُوَ مِائَةً فَيَتَّجِهُ الْقَوْلُ الْمَاضِي، وَبَالَغَ الْقَرَافِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ فَقَالَ: مِنَ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ الْمَحْدُودَةِ شَرْعًا ; لِأَنَّ شَأْنَ الْعُظَمَاءِ إِذَا حَدُّوا شَيْئًا أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ، وَيُعَدُّ الْخَارِجُ عَنْهُ مُسِيئًا لِلْأَدَبِ، انْتَهَى.
وَمَثَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِالدَّوَاءِ يَكُونُ فِيهِ مَثَلًا أُوقِيَّةُ سُكَّرٍ فَلَوْ زِيدَ فِيهِ أُوقِيَّةٌ أُخْرَى تَخَلَّفَ الِانْتِفَاعُ بِهِ، فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْأُوقِيَّةِ فِي الدَّوَاءِ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ مِنَ السُّكَّرِ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ فَلَمْ يَتَخَلَّفْ الِانْتِفَاعُ، وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَذْكَارَ الْمُتَغَايِرَةَ إِذَا وَرَدَ لِكُلٍّ مِنْهَا عَدَدٌ مَخْصُوصٌ مَعَ طَلَبِ الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِهَا مُتَوَالِيَةً لَمْ تَحْسُنِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطْعِ الْمُوَالَاةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ لِلْمُوَالَاةِ حِكْمَةً خَاصَّةً تَفُوتُ بِفَوَاتِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute