رِفَاعَةَ: " «صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَطَسْتُ فَقُلْتُ الْحَمْدُ لِلَّهِ» ". الْحَدِيثَ، وَنُوزِعَ لِاخْتِلَافِ سِيَاقِ السَّبَبِ وَالْقِصَّةِ، وَالْجَوَابُ لَا يُعَارَضُ فَيُحْمَلُ وُقُوعُ عُطَاسِهِ عِنْدَ رَفْعِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبْهَمَ نَفْسَهُ لِقَصْدِ إِخْفَاءِ عَمَلِهِ أَوْ نَسِيَ بَعْضُ الرُّوَاةِ اسْمَهُ، وَأَمَّا مَا عَدَّا ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فَإِنَّمَا فِيهِ زِيَادَةٌ لَعَلَّ الرَّاوِيَ اخْتَصَرَهَا. (وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) بِالْوَاوِ (حَمْدًا) نُصِبَ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ دَلَّ عَلَيْهِ لَكَ الْحَمْدُ (كَثِيرًا طَيِّبًا) خَالِصًا عَنِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ (مُبَارَكًا) كَثِيرَ الْخَيْرِ (فِيهِ) زَادَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ مُبَارَكًا عَلَيْهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، قَالَ الْحَافِظُ: فَفِي قَوْلِهِ كَمَا. . . إِلَخْ، مِنْ حُسْنِ التَّفْوِيضِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ الْغَايَةُ فِي الْقَصْدِ، وَأَمَا مُبَارَكًا عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ، وَقِيلَ: الْأَوَّلُ بِمَعْنَى الزِّيَادَةِ، وَالثَّانِي بِمَعْنَى الْبَقَاءِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} [فصلت: ١٠] (سُورَةُ فُصِّلَتْ: الْآيَةُ ١٠) فَهَذَا يُنَاسِبُ الْأَرْضَ ; لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ لَا الْبَقَاءُ ; لِأَنَّهُ بِصَدَدِ التَّغَيُّرِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} [الصافات: ١١٣] (سُورَةُ الصَّافَّاتِ: الْآيَةُ ١١٣) فَهَذَا يُنَاسِبُ الْأَنْبِيَاءَ ; لِأَنَّ الْبَرَكَةَ بَاقِيَةٌ لَهُمْ، وَلَمَّا نَاسَبَ الْحَمْدُ الْمَعْنَيَانِ جَمَعَهُمَا، كَذَا قِيلَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ.
(فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنَ الصَّلَاةِ (قَالَ) كَمَا فِي النَّسَائِيِّ (مَنِ الْمُتَكَلِّمُ) فِي الصَّلَاةِ لِيَعْلَمَ السَّامِعُونَ كَلَامَهُ فَيَقُولُوا مِثْلَهُ (آنِفًا) بِالْمَدِّ وَكَسْرِ النُّونِ، يَعْنِي قَبْلَ هَذَا وَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا قَرُبَ، زَادَ النَّسَائِيُّ: فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَهَا الثَّانِيَةَ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَهَا الثَّالِثَةَ، فَقَالَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ: أَنَا، قَالَ: كَيْفَ؟ قُلْتُ: فَذَكَرَهُ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، الْحَدِيثَ. (فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ) الْمُتَكَلِّمُ بِذَلِكَ أَرْجُو الْخَيْرَ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ) مُوَافِقَةً لِعَدَدِ حُرُوفِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ حَرْفًا، وَالْبِضْعُ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى تِسْعَةٍ وَلَا يَعْكِرُ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ الْمَارَّةُ ; لِأَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ هُوَ الثَّنَاءُ الزَّائِدُ عَلَى الْمُعْتَادِ وَهُوَ حَمْدًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى دُونَ مُبَارَكًا عَلَيْهِ فَإِنَّهَا لِلتَّأْكِيدِ.
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ اثْنَيْ عَشَرَ. وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَهُوَ مُطَابِقٌ لِعَدَدِ الْكَلِمَاتِ عَلَى رِوَايَةِ مُبَارَكًا عَلَيْهِ. . . إِلَخْ. وَلِحَدِيثِ الْبَابِ، لَكِنْ عَلَى اصْطِلَاحِ النُّحَاةِ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ كَالْجَوْهَرِيِّ أَنَّ الْبِضْعَ يَخْتَصُّ بِمَا دُونَ الْعِشْرِينَ (مَلَكَا) غَيْرَ الْحَفَظَةِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطَّرِيقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ» " الْحَدِيثَ. وَفِيهِ أَنَّ بَعْضَ الطَّاعَاتِ قَدْ يَكْتُبُهَا غَيْرُ الْحَفَظَةِ (يَبْتَدِرُونَهَا) أَيْ يُسَارِعُونَ إِلَى الْكَلِمَاتِ الْمَذْكُورَةِ (أَيُّهُمْ يَكْتُبُهُنَّ) وَلِلنَّسَائِيِّ: " أَيُّهُمْ يَصْعَدُ بِهَا " وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ: " أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا " وَلَا تَعَارُضَ ; لِأَنَّهُمْ يَكْتُبُونَهَا ثُمَّ يَصْعَدُونَ بِهَا (أَوَّلُ) رُوِيَ بِالضَّمِّ عَلَى الْبِنَاءِ ; لِأَنَّهُ ظَرْفٌ قُطِعَ عَنِ الْإِضَافَةِ وَبِالنَّصْبِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute