اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ ; لِأَنَّ أَوْقَاتَ اللَّيْلِ تَخْتَلِفُ فِي الزِّيَادَةِ، وَفِي الْأَوْقَاتِ بِاخْتِلَافِ تَقَدُّمِ اللَّيْلِ عِنْدَ قَوْمٍ وَتَأَخُّرِهِ عِنْدَ قَوْمٍ، أَوِ النُّزُولُ يَقَعُ فِي الثُّلُثِ الْأَوَّلِ، وَالْقَوْلُ يَقَعُ فِي النِّصْفِ، وَفِي الثُّلُثِ الثَّانِي، أَوْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى وُقُوعِهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ بِهَا الْأَحَادِيثُ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُعْلِمَ بِأَحَدِ الْأُمُورِ فِي وَقْتٍ، فَأَخْبَرَ بِهِ، ثُمَّ أُعْلِمَ بِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَأَخْبَرَ بِهِ، فَنَقَلَ الصَّحَابَةُ ذَلِكَ عَنْهُ.
(فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ) أَيْ أُجِيبَ (لَهُ) دُعَاءَهُ، فَلَيْسَتِ السِّينُ لِلطَّلَبِ (مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ) مَسْئُولَهُ (مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ) ذُنُوبَهُ، بِنَصْبِ الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ فِي جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ، وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَبِهِمَا قُرِئَ: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} [البقرة: ٢٤٥] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ٢٤٥) وَلَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَاتُ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا أَنَّ الْمَطْلُوبَ إِمَّا رَفْعُ الْمَضَارِّ أَوْ جَلْبُ الْمَسَارِّ، وَذَلِكَ إِمَّا دُنْيَوِيٌّ أَوْ دِينِيٌّ، فَفِي الِاسْتِغْفَارِ إِشَارَةٌ إِلَى الْأَوَّلِ، وَالدُّعَاءُ إِشَارَةٌ إِلَى الثَّانِي، وَالسُّؤَالُ إِشَارَةٌ إِلَى الثَّالِثِ.
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الدُّعَاءَ مَا لَا طَلَبَ فِيهِ، وَالسُّؤَالُ الطَّلَبُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَاحِدٌ وَإِنِ اخْتَلَفَ اللَّفْظُ، انْتَهَى.
وَزَادَ سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «هَلْ تَائِبٌ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟» " وَزَادَ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْهُ: " «مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَرْزِقُنِي فَأَرْزُقَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَكْشِفُ الضُّرَّ فَأَكْشِفَ عَنْهُ؟» " وَزَادَ عَطَاءٌ مَوْلَى أُمِّ صُبَيَّةَ، بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَمُوَحَّدَةٍ، عَنْهُ: " أَلَا سَقِيمٌ يَسْتَشْفِي فَيُشْفَى؟ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَمَعَانِيهَا دَاخِلَةٌ فِيمَا تَقَدَّمَ. وَزَادُ سَعِيدُ بْنُ مَرْجَانَةَ عَنْهُ: " مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ وَلَا ظَلُومٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِيهِ تَحْرِيضٌ عَلَى عَمَلِ الطَّاعَةِ وَإِشَارَةٌ إِلَى جَزِيلِ ثَوَابِهَا.
وَزَادَ حَجَّاجُ بْنُ أَبِي مَنِيعٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ: " حَتَّى الْفَجْرِ ".
وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: " حَتَّى الْفَجْرِ ". وَعَلَيْهِ اتَّفَقَ مُعْظَمُ الرِّوَايَاتِ. وَلِلنَّسَائِيِّ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " حَتَّى تَحُلَّ الشَّمْسُ "، وَهِيَ شَاذَّةٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ تَفْضِيلُ آخِرِ اللَّيْلِ عَلَى أَوَّلِهِ، وَأَنَّهُ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: ١٧] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ ١٧) وَأَنَّ الدُّعَاءَ ذَلِكَ الْوَقْتَ مُجَابٌ، وَلَا يُعْتَرَضُ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ بَعْضِ الدَّاعِينَ ; لِأَنَّ سَبَبَهُ وُقُوعُ الْخَلَلِ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الدُّعَاءِ كَالِاحْتِرَازِ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ، أَوِ اسْتِعْجَالِ الدَّاعِي، أَوْ بِأَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، أَوْ تَحْصُلُ الْإِجَابَةُ وَيَتَأَخَّرُ وُجُودُ الْمَطْلُوبِ لِمَصْلَحَةِ الْعَبْدِ، أَوْ لِأَمْرٍ يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى، هَذَا وَقَدْ حَمَلَ الْمُشَبِّهَةُ الْحَدِيثَ، وَأَحَادِيثَ التَّشْبِيهِ كُلَّهَا عَلَى ظَاهِرِهَا - تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ - وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ فَأَنْكَرُوا صِحَّتَهَا جُمْلَةً وَهُوَ مُكَابَرَةٌ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ أَوَّلُوا مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَأَنْكَرُوا الْأَحَادِيثَ جَهْلًا أَوْ عِنَادًا، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ التَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ الْمُسْتَعْمَلِ لُغَةً، وَبَيْنَ الْبَعِيدِ الْمَهْجُورِ، فَأَوَّلَ فِي بَعْضٍ وَفَوَّضَ فِي بَعْضٍ، وَجَزَمَ بِهِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَنُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: مَنَعَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute