لَهُ إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ» " دَلِيلٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَشُهُودُ الْجَنَائِزِ خَيْرٌ، وَالدُّعَاءُ إِلَى الْخَيْرِ خَيْرٌ إِجْمَاعًا، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ ثَلَاثُ حَالَاتٍ: الْأُولَى: إِعْلَامُ الْأَهْلِ وَالْأَصْحَابِ وَأَهْلِ الصَّلَاحِ، فَهَذَا سُنَّةٌ. الثَّانِيَةُ: دَعْوَةُ الْجَفَلَى لِلْمُفَاخَرَةِ، فَهَذَا يُكْرَهُ. الثَّالِثَةُ: الْإِعْلَامُ بِالنِّيَاحَةِ وَنَحْوِهَا، فَهَذَا يَحْرُمُ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَقِيلٍ وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: نُعِيَ لَنَا النَّجَاشِيُّ يَوْمَ مَاتَ فَقَالَ: " «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ» " (وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى) مَكَانٌ بِبَطْحَانَ، فَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: فَخَرَجَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْبَقِيعِ أَيْ بَقِيعِ بَطْحَانَ، أَوِ الْمُرَادُ بِالْمُصَلَّى مَوْضِعٌ مُعَدٌّ لِلْجَنَائِزِ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ غَيْرُ مُصَلَّى الْعِيدَيْنِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ قَالَهُ الْحَافِظُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «قَدْ تُوُفِّيَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنَ الْحَبَشِ فَهَلُمَّ فَصَلُّوا عَلَيْهِ» ". وَلِلْبُخَارِيِّ: " «فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ» ". وَلِمُسْلِمٍ: " «مَاتَ عَبْدٌ لِلَّهِ صَالِحٌ أَصْحَمَةُ» ". وَفِي الْإِصَابَةِ جَاءَ مِنْ طَرِيقِ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَصْبَحْنَا ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ أَخَاكَ أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيَّ قَدْ تُوُفِّيَ فَصَلُّوا عَلَيْهِ، فَوَثَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَثَبْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ الْمُصَلَّى» " (فَصَفَّ بِهِمْ) لَازِمٌ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ أَيْ صَفَّ مَعَهُمْ، أَوْ مُتَعَدٍّ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ أَيْ صَفَّهُمْ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِمَامَ مُتَقَدِّمٌ فَلَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ صَافٌّ مَعَهُمْ إِلَّا عَلَى الْمَعْنَى الْآخَرِ وَلَمْ يَذْكُرْ كَمْ صَفَّهُمْ. وَفِي النَّسَائِيِّ عَنْ جَابِرٍ: " «كُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي يَوْمَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّجَاشِيِّ» "، وَفِيهِ أَنَّ لِلصُّفُوفِ عَلَى الْجَنَازَةِ تَأْثِيرًا وَلَوْ كَثُرَ الْجَمْعُ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَدٌ كَثِيرٌ، وَالْمُصَلَّى فَضَاءٌ لَا يَضِيقُ بِهِمْ لَوْ صُفُّوا فِيهِ صَفًّا وَاحِدًا وَمَعَ ذَلِكَ صَفَّهُمْ، وَهَذَا مَا فَهِمَهُ مَالِكُ بْنُ عُمَيْرَةَ الصَّحَابِيُّ، فَكَانَ صَفُّ مَنْ يَحْضُرُ صَلَاةَ الْجَنَازَةِ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ سَوَاءٌ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا، وَيَبْقَى النَّظَرُ إِذَا تَعَدَّدَتِ الصُّفُوفُ وَالْعَدَدُ قَلِيلٌ، أَوْ كَانَ الصَّفُّ وَاحِدًا وَالْعَدَدُ كَثِيرٌ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ، قَالَهُ الْحَافِظُ.
(وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ) فَفِيهِ أَنَّ تَكْبِيرَ صَلَاةِ الْجَنَازَةِ أَرْبَعٌ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْحَدِيثِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا صَلَاةٌ عَلَى غَائِبٍ لَا عَلَى الْجَنَازَةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُفْهَمُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَرَوَى ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا» " وَقَالَ: لَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جَنَازَةٍ أَرْبَعًا إِلَّا فِي هَذَا، قَالَ: وَإِنَّمَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى النَّجَاشِيِّ أَرْبَعًا وَعَلَى قَبْرٍ أَرْبَعًا، وَأَمَّا عَلَى الْجَنَازَةِ هَكَذَا فَلَا إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ خُرُوجَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُصَلَّى لِقَصْدِ تَكْثِيرِ الْجَمْعِ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَإِشَاعَةً لِمَوْتِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ ; لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَنَسٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: صَلَّى عَلَى عِلْجٍ مِنَ الْحَبَشَةِ، فَنَزَلَتْ: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} [آل عمران: ١٩٩]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute