(سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ ١٩٩) إِلَى آخِرِ السُّورَةِ ".
وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ وَحْشِيٍّ فِي الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ، وَآخَرُ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَفِيهِ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ كَانَ مُنَافِقًا، وَفِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ الْغَائِبِ عَنِ الْبَلَدِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ السَّلَفِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: لَا تُشْرَعُ، وَنَسَبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّهُمْ قَالُوا: ذَلِكَ خُصُوصِيَّةٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَدَلَائِلُ الْخُصُوصِيَّةِ وَاضِحَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَكَهُ فِيهَا غَيْرُهُ ; لِأَنَّهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أُحْضِرَ رُوحُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، أَوْ رُفِعَتْ لَهُ جِنَازَتُهُ حَتَّى شَاهَدَهَا، كَمَا رُفِعَ لَهُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ حِينَ سَأَلَتْهُ قُرَيْشٌ عَنْ صِفَتِهِ، وَعَبَّرَ غَيْرُهُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كُشِفَ لَهُ حَتَّى رَآهُ. فَتَكُونُ صَلَاتُهُ كَصَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَى مَيِّتٍ رَآهُ وَلَمْ يَرَهُ الْمَأْمُومُونَ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهَا. وَقَوْلُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ: (يَحْتَاجُ هَذَا لِنَقْلٍ) تُعُقِّبَ بِأَنَّ الِاحْتِمَالَ كَافٍ فِي مِثْلِ هَذَا مِنْ جِهَةِ الْمَانِعِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْوَاحِدِيُّ بِلَا إِسْنَادٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «كُشِفَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَرِيرِ النَّجَاشِيِّ حَتَّى رَآهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ» ". وَلِابْنِ حِبَّانَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: " «فَقَامُوا وَصَفُّوا خَلْفَهُ وَهُمْ لَا يَظُنُّونَ إِلَّا أَنَّ جَنَازَتَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ» ". وَلِأَبِي عَوَانَةَ عَنْ عِمْرَانَ: " «فَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ وَنَحْنُ لَا نَرَى إِلَّا أَنَّ الْجَنَازَةَ قُدَّامَنَا» ". وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالنَّجَاشِيِّ لِإِشَاعَةِ أَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا، أَوِ اسْتِئْلَافِ قُلُوبِ الْمُلُوكِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا فِي حَيَاتِهِ ; إِذْ لَمْ يَأْتِ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ غَائِبٍ غَيْرِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ صَلَاتِهِ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ اللَّيْثِيِّ فَجَاءَ مِنْ طُرُقٍ لَا تَخْلُو مِنْ مَقَالٍ، وَعَلَى تَسْلِيمِ صَلَاحِيَتِهِ لِلْحُجِّيَّةِ بِالنَّظَرِ إِلَى مَجْمُوعِ طُرُقِهِ دَفْعٌ بِمَا وَرَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَتْ لَهُ الْحُجُبُ حَتَّى شَاهَدَ جَنَازَتَهُ. وَقَوْلُ الْكِرْمَانِيِّ: قَوْلُهُمْ رُفِعَ الْحِجَابُ عَنِ النَّجَاشِيِّ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ سَلِمَ فَكَانَ غَائِبًا عَنِ الصَّحَابَةِ رُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُصَلَّى كَالْمَيِّتِ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَهُوَ يَرَاهُ دُونَ الْمَأْمُومِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ اتِّفَاقًا. وَأَمَّا ابْنُ الْعَرَبِيِّ إِمَامُ الْمَالِكِيَّةِ فَتَحَامَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ قَوْلُهُمْ إِنَّمَا ذَلِكَ لِمُحَمَّدٍ، قُلْنَا: وَمَا عَمِلَ بِهِ مُحَمَّدٌ تَعْمَلُ بِهِ أُمَّتُهُ، قَالُوا: طُوِيَتِ الْأَرْضُ وَأُحْضِرَتِ الْجَنَازَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قُلْنَا: إِنَّ رَبَّنَا عَلَيْهِ لَقَادِرٌ وَنَبِيَّنَا لَأَهْلٌ لِذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا تَقُولُوا إِلَّا مَا رَوَيْتُمْ، وَلَا تَخْتَرِعُوا حَدِيثًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تُحَدِّثُوا إِلَّا بِالثَّابِتَاتِ، وَدَعُوا الضِّعَافَ فَإِنَّهَا سَبِيلٌ إِلَى تَلَافِ مَا لَيْسَ لَهُ تَلَافٌ، وَقَدْ عَلِمْتُ جَوَابَهُ بِأَنَّ الِاحْتِمَالَ يَكْفِي فِي مِثْلِ هَذَا مِنْ جِهَةِ الْمَانِعِ خُصُوصًا، وَقَدْ جَاءَ مَا يُؤَيِّدُهُ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ فَمَا حَدَّثَنَا إِلَّا بِالثَّابِتَاتِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: وَلَوْ فُتِحَ بَابُ الْخُصُوصِ لَانْسَدَّ كَثِيرٌ مِنْ ظَوَاهِرِ الشَّرْعِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَهُ لَتَوَفَّرَتِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّمَا جَوَّزْنَا الْخُصُوصِيَّةَ ; لِأَنَّهَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالُ إِذْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى غَائِبٍ غَيْرِهِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَلْزَمُ تَوَفُّرُ الدَّوَاعِي عَلَيْهِ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهُ كَانَ بِأَرْضٍ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ بِهَا أَحَدٌ، فَتَعَيَّنَتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مَاتَ غَائِبًا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute