وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكَتَّانِيُّ الْأَصْفَهَانِيُّ: قُلْتُ لِأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ: مُوَطَّأُ مَالِكٍ لِمَ سُمِّيَ الْمُوَطَّأَ؟ فَقَالَ: شَيْءٌ صَنَعَهُ وَوَطَّأَهُ لِلنَّاسِ حَتَّى قِيلَ " مُوَطَّأُ مَالِكٍ " كَمَا قِيلَ " جَامِعُ سُفْيَانَ ". وَرَوَى أَبُو الْحَسَنِ بْنُ فِهْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَنْجِيِّ: سَمِعْتُ بَعْضَ الْمَشَايِخِ يَقُولُ: قَالَ مَالِكٌ: عَرَضْتُ كِتَابِي هَذَا عَلَى سَبْعِينَ فَقِيهًا مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ فَكُلُّهُمْ وَاطَأَنِي عَلَيْهِ فَسَمَّيْتُهُ الْمُوَطَّأَ. قَالَ ابْنُ فِهْرٍ: لَمْ يَسْبِقْ مَالِكًا أَحَدٌ إِلَى هَذِهِ التَّسْمِيَةِ، فَإِنَّ مَنْ أَلَّفَ فِي زَمَانِهِ بَعْضُهُمْ سَمَّى بِالْجَامِعِ، وَبَعْضُهُمْ سَمَّى بِالْمُصَنَّفِ، وَبَعْضُهُمْ بِالْمُؤَلَّفِ، وَلَفْظَةُ الْمُوَطَّأِ بِمَعْنَى الْمُمَهَّدِ الْمُنَقَّحِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ الْمَدَنِيِّ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ عَمِلَ كِتَابًا بِالْمَدِينَةِ عَلَى مَعْنَى الْمُوَطَّأِ - مِنْ ذِكْرِ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ - عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجَشُونَ وَعَمِلَ ذَاكَ كَلَامًا بِغَيْرِ حَدِيثٍ فَأَتَى بِهِ مَالِكٌ فَنَظَرَ فِيهِ فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ مَا عَمِلَ وَلَوْ كُنْتُ أَنَا الَّذِي عَمِلْتُ ابْتَدَأْتُ بِالْآثَارِ ثُمَّ سَدَّدْتُ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّ مَالِكًا عَزَمَ عَلَى تَصْنِيفِ الْمُوَطَّأِ فَصَنَّفَهُ فَعَمِلَ مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُوَطَّآتِ، فَقِيلَ لِمَالِكٍ: شَغَلْتَ نَفْسَكَ بِعَمَلِ هَذَا الْكِتَابِ وَقَدْ شَرَكَكَ فِيهِ النَّاسُ وَعَمِلُوا أَمْثَالَهُ فَقَالَ: ائْتُونِي بِمَا عَمِلُوا فَأُتِيَ بِذَلِكَ فَنَظَرَ فِيهِ وَقَالَ: لَتَعْلَمُنَّ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، قَالَ: فَكَأَنَّمَا أُلْقِيَتْ تِلْكَ الْكُتُبُ فِي الْآبَارِ وَمَا سَمِعْتُ لِشَيْءٍ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِذِكْرٍ.
وَرَوَى أَبُو مُصْعَبٍ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الْمَنْصُورَ قَالَ لِمَالِكٍ: ضَعْ لِلنَّاسِ كِتَابًا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، فَكَلَّمَهُ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: ضَعْهُ فَمَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَعْلَمَ مِنْكَ، فَوَضَعَ الْمُوَطَّأَ فَمَا فَرَغَ مِنْهُ حَتَّى مَاتَ أَبُو جَعْفَرٍ وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ الْمَنْصُورَ قَالَ: ضَعْ هَذَا الْعِلْمَ وَدَوِّنْ كِتَابًا وَجَنِّبْ فِيهِ شَدَائِدَ ابْنِ عُمَرَ، وَرُخَصَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَشَوَاذَّ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَاقْصِدْ أَوْسَطَ الْأُمُورِ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهَا الصَّحَابَةُ وَالْأَئِمَّةُ.
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: اجْعَلْ هَذَا الْعِلْمَ عِلْمًا وَاحِدًا، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ فَأَفْتَى كُلٌّ فِي مِصْرِهِ بِمَا رَأَى، فَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ قَوْلٌ، وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ قَوْلٌ تَعَدَّوْا فِيهِ طَوْرَهُمْ، فَقَالَ: أَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ فَلَا أَقْبَلُ مِنْهُمْ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا وَإِنَّمَا الْعِلْمُ عِلْمُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَضَعْ لِلنَّاسِ الْعِلْمَ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ لَا يَرْضَوْنَ عِلْمَنَا، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يُضْرَبُ عَلَيْهِ عَامَّتُهُمْ بِالسَّيْفِ، وَنَقْطَعُ عَلَيْهِ ظُهُورَهُمْ بِالسِّيَاطِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَبَلَغَنِي عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي مُوَطَّئِي؟ فَقُلْتُ لَهُ: النَّاسُ رَجُلَانِ مُحِبٌّ مُطْرٍ وَحَادٌّ مُفْتَرٍ، فَقَالَ لِي مَالِكٌ: إِنَّ مَدَّ بِكَ عُمُرٌ فَسَتَرَى مَا يُرِيدُ اللَّهُ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute