النَّاسِ فِي مَالِكٍ ابْنُ وَهْبٍ وَهُوَ أَفْقَهُ مِنَ ابْنِ الْقَاسِمِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُهُ الْوَرَعُ مِنَ الْفُتْيَا. وَقَالَ أَصْبَغُ: ابْنُ وَهْبٍ أَعْلَمُ أَصْحَابِ مَالِكٍ بِالسُّنَنِ وَالْآثَارِ إِلَّا أَنَّهُ رَوَى عَنِ الضُّعَفَاءِ. وَذَكَرَ الْحَافِظُ مُغْلَطَايْ أَنَّهُ وَالْقَعْنَبِيُّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ أَوْثَقُ وَأَتْقَنُ مِنْ جَمِيعِ مَنْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ. وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا: ابْنُ وَهْبٍ لَمْ يَكُنْ جَيِّدَ التَّحَمُّلِ فَكَيْفَ يَنْقُلُ هَذَا الرَّجُلُ أَنَّهُ أَوْثَقُ وَأَتْقَنُ أَصْحَابِ مَالِكٍ؟ انْتَهَى.
وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: اخْتَارَ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " رِوَايَةَ ابْنِ مَهْدِيٍّ، وَالْبُخَارِيُّ رِوَايَةَ التِّنِّيسِيِّ، وَمُسْلِمٌ رِوَايَةَ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ التَّمِيمِيِّ، وَأَبُو دَاوُدَ رِوَايَةَ الْقَعْنَبِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ رِوَايَةَ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، انْتَهَى.
وَهَذَا كُلُّهُ أَغْلَبِيٌّ، وَإِلَّا فَقَدَ رَوَى كُلٌّ مِمَّنْ ذُكِرَ عَنْ غَيْرِ مَنْ عَيَّنَهُ، وَيَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَلَيْسَ هُوَ صَاحِبُ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ الْآنَ فَإِنَّهُ أَنْدَلُسِيٌّ وَقَدْ يَلْتَبِسَانِ عَلَى مَنْ لَا يَعْلَمُ. وَرَوَاهُ عَنِ الْأَنْدَلُسِيِّ ابْنُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ - بِضَمِّ الْعَيْنِ - وَمُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ الْحَافِظُ الْأَنْدَلُسِيُّ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: الْمُوَطَّأُ هُوَ الْأَصْلُ الْأَوَّلُ، وَ " اللُّبَابُ " وَ " الْبُخَارِيُّ " الْأَصْلُ الثَّانِي فِي هَذَا الْبَابِ، وَعَلَيْهَا بَنَى الْجَمِيعُ كَمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ. قَالَ: وَذَكَرَ ابْنُ الْهَيَّابِ أَنَّ مَالِكًا رَوَى مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ جَمَعَ مِنْهَا الْمُوَطَّأَ عَشَرَةَ آلَافٍ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَعْرِضُهَا عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَيَخْتَبِرُهَا بِالْآثَارِ وَالْأَخْبَارِ حَتَّى رَجَعَتْ إِلَى خَمْسِمِائَةٍ.
وَقَالَ إِلْكِيَا الْهَرَّاسِيُّ: مُوَطَّأُ مَالِكٍ كَانَ تِسْعَةَ آلَافِ حَدِيثٍ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَنْتَقِي حَتَّى رَجَعَ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ. وَفِي " الْمَدَارِكِ " عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ: أَلَّفَ مَالِكٌ الْمُوَطَّأَ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ حَدِيثٍ أَوْ أَكْثَرُ، وَمَاتَ وَهِيَ أَلْفُ حَدِيثٍ وَنَيِّفٌ، يُخَلِّصُهَا عَامًا عَامًا بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ أَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَمْثَلُ فِي الدِّينِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ: جُمْلَةُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَلْفٌ وَسَبْعُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا، الْمُسْنَدُ مِنْهَا سِتُّمِائَةِ حَدِيثٍ، وَالْمُرْسَلُ مِائَتَانِ وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا، وَالْمَوْقُوفُ سِتُّمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ. وَمِنْ قَوْلِ التَّابِعِينَ مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ. وَقَالَ الْغَافِقِيُّ: " مُسْنَدُ الْمُوَطَّأِ " سِتُّمِائَةِ حَدِيثٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ حَدِيثًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ صَاحِبِ الْأَوْزَاعِيِّ: عَرَضْنَا عَلَى مَالِكٍ الْمُوَطَّأَ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَقَالَ: كِتَابٌ أَلَّفْتُهُ فِي أَرْبَعِينَ سَنَةً أَخَذْتُمُوهُ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَا أَقَلَّ مَا تَفْقَهُونَ فِيهِ.
وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي " الْحِلْيَةِ " عَنْ أَبِي خُلَيْدٍ قَالَ: أَقَمْتُ عَلَى مَالِكٍ فَقَرَأْتُ الْمُوَطَّأَ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَقَالَ مَالِكٌ: عِلْمٌ جَمَعَهُ شَيْخٌ فِي سِتِّينَ سَنَةً أَخَذْتُمُوهُ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَا فَقِهْتُمْ أَبَدًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute