عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَعِنْدَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ: حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، وَفِيهِ فَضْلُ الْمَوْتِ فِي يَوْمِهِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: " «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلَّا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ» ". إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوَهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: تَعْيِينُ وَقْتٍ لِلْمَوْتِ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ اخْتِيَارٌ، لَكِنَّ التَّسَبُّبَ فِي حُصُولِهِ كَالرَّغْبَةِ إِلَى اللَّهِ لِقَصْدِ التَّبَرُّكِ، فَمَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْإِجَابَةُ أُثِيبَ عَلَى اعْتِقَادِهِ.
(وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ) أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: اشْتَكَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنْ صَفَرٍ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ "، وَكَذَا أُخْرِجَ دَفْنُهُ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعِنْدَهُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ دُفِنَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: الْقَوْلُ بِدَفْنِهِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ دُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ، انْتَهَى. وَلَا غَرَابَةَ فِيهِ وَقَدْ جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ، وَإِنَّمَا أَخَّرُوا دَفْنَهُ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي مَوْتِهِ، أَوْ فِي مَحَلِّ دَفْنِهِ، أَوْ لِاشْتِغَالِهِمْ فِي أَمْرِ الْبَيْعَةِ بِالْخِلَافَةِ حَتَّى اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى الصِّدِّيقِ، وَلِدَهْشَتِهِمْ مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْهَائِلِ الَّذِي مَا وَقَعَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلُهُ، فَصَارَ بَعْضُهُمْ كَجَسَدٍ بِلَا رُوحٍ وَبَعْضُهُمْ عَاجِزًا عَلَى النُّطْقِ وَبَعْضُهُمْ عَنِ الْمَشْيِ، أَوْ لِخَوْفِ هُجُومِ عَدُوٍّ، أَوْ لِصَلَاةِ جَمٍّ غَفِيرٍ عَلَيْهِ.
(وَصَلَّى النَّاسُ عَلَيْهِ أَفْذَاذًا لَا يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ) أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ سَعْدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَغَيْرِهِ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ: " أَنَّ النَّاسَ قَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ: أَنُصَلِّي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: وَكَيْفَ نُصَلِّي؟ قَالَ: يَدْخُلُ قَوْمٌ فَيُكَبِّرُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَدْعُونَ، ثُمَّ يُدْخَلُ قَوْمٌ فَيُصَلُّونَ فَيُكَبِّرُونَ وَيَدْعُونَ فُرَادَى ".
وَلِابْنِ سَعْدٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " هُوَ إِمَامُكُمْ حَيًّا وَمَيِّتًا فَلَا يَقُومُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَكَانَ النَّاسُ تَدْخُلُ رَسَلًا فَرُسَلًا فَيُصَلُّونَ صَفًّا صَفًّا لَيْسَ لَهُمْ إِمَامٌ وَيُكَبِّرُونَ، وَعَلِيٌّ قَائِمٌ بِحِيَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْهَدُ أَنْ قَدْ بَلَّغَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أَعَزَّ اللَّهُ دِينَهُ وَتَمَّتْ كَلِمَتُهُ، اللَّهُمَّ فَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَتَّبِعُ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ وَثَبِّتْنَا بَعْدَهُ، وَاجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَيَقُولُ النَّاسُ: آمِينَ، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ الرِّجَالُ، ثُمَّ النِّسَاءُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ " وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يَدْخُلُونَ فَيَدْعُونَ وَيُصَدِّقُونَ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَلِهَذَا وَجْهٌ وَهُوَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ شَهِيدٍ، وَالشَّهِيدُ يُغْنِيهِ فَضْلُهُ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا فَارَقَ الشَّهِيدَ فِي الْغُسْلِ ; لِأَنَّهُ حَذَّرَ مَنْ غَسَّلَهُ إِزَالَةَ الدَّمِ عَنْهُ، وَهُوَ مَطْلُوبٌ بَقَاؤُهُ لِطِيبِهِ وَلِأَنَّهُ عُنْوَانٌ بِشَهَادَتِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَلَيْسَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُكْرَهُ إِزَالَتُهُ عَنْهُ فَافْتَرَقَا، انْتَهَى.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَوْدُ التَّشْرِيفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّ الْكَامِلَ يَقْبَلُ زِيَادَةَ التَّكْمِيلِ. وَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ: الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute