الْجُمْهُورُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ صَلَاةً حَقِيقِيَّةً لَا مُجَرَّدَ الدُّعَاءِ فَقَطْ اهـ. نَعَمْ، لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَمْ يَؤُمَّهُمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَقِيلَ تَعَبُّدِيٌّ وَقِيلَ لِيُبَاشِرَ كُلُّ وَاحِدٍ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مِنْهُ إِلَيْهِ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يُبَاشِرَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَنَا فِي ذَلِكَ أَئِمَّةٌ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: وَذَلِكَ لِعِظَمِ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَنَافُسِهِمْ فِيمَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لِعَدَمِ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى خَلِيفَةٍ، وَقِيلَ لِوَصِيَّتِهِ بِذَلِكَ.
رَوَى الْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ بِسَنَدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ: " «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَمَعَ أَهْلَهُ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ قَالُوا: فَمَنْ يُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: إِذَا غَسَّلْتُمُونِي وَكَفَّنْتُمُونِي فَضَعُونِي عَلَى سَرِيرِي، ثُمَّ اخْرُجُوا عَنِّي فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيَّ جِبْرِيلُ ثُمَّ مِيكَائِيلُ ثُمَّ إِسْرَافِيلُ ثُمَّ مَلَكُ الْمَوْتِ مَعَ جُنُودِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِأَجْمَعِهِمْ، ثُمَّ ادْخُلُوا عَلَيَّ فَوْجًا بَعْدَ فَوْجٍ فَصَلُّوا عَلَيَّ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» ". وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ: فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الصَّلَاةِ تَكَلَّمُوا فِي مَوْضِعِ قَبْرِهِ (فَقَالَ نَاسٌ: يُدْفَنُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ) ; لِأَنَّ عِنْدَهُ رَوْضَةً مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ فَنَاسَبَ دَفْنَهُ عِنْدَهُ (وَقَالَ آخَرُونَ: يُدْفَنُ بِالْبَقِيعِ) ; لِأَنَّهُ دُفِنَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ (فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا دُفِنَ نَبِيٌّ قَطُّ إِلَّا فِي مَكَانِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ» . فَحُفِرَ لَهُ فِيهِ) أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مَرْفُوعًا: " «مَا قَبَضَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيًّا إِلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ» ". وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ بِلَفْظِ: " «مَا مَاتَ نَبِيٌّ إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ قُبِضَ» "، وَلِذَا سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ إِلَيْهَا بَعْدَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ فَيُنْقَلُونَ مِنْ بُيُوتِهِمُ الَّتِي مَاتُوا فِيهَا إِلَى الْمَدَائِنِ فَالْأَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ عَدَاهُمُ الدَّفْنُ فِي الْمَقْبَرَةِ، فَهَذَا مِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ قَوْلَ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ أَنَّ يُوسُفَ نَقَلَهُ مُوسَى مِنْ مِصْرَ إِلَى آبَائِهِ بِفِلَسْطِينَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى إِنْ صَحَّ، أَيْ وَيَكُونُ مَحَبَّةُ يُوسُفَ لِدَفْنِهِ بِمِصْرَ مُوَقَّتَةً بِقَصْدِ مَنْ يَنْقُلُهُ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا أَوَّلُ اخْتِلَافٍ وَقَعَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ.
(فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ غُسْلِهِ أَرَادُوا نَزْعَ قَمِيصِهِ) فِيهِ أَنَّهُ سُنَّةُ الْغُسْلِ عِنْدَهُمْ إِذْ لَوْ كَانَ نَزْعُهُ وَإِبْقَاؤُهُ سَوَاءً لَذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ كَمَوْضِعِ الدَّفْنِ وَاللَّحْدِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ (فَسَمِعُوا صَوْتًا يَقُولُ: لَا تَنْزِعُوا الْقَمِيصَ، فَلَمْ يُنْزَعِ الْقَمِيصُ وَغُسِّلَ وَهُوَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute