للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا: " «إِنَّمَا قُمْنَا لِلْمَلَائِكَةِ» " وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا: " «إِنَّمَا قُمْنَا إِعْظَامًا لِلَّذِي يَقْبِضُ النُّفُوسَ» " وَلَفْظُ ابْنِ حِبَّانَ: " «اللَّهُ الَّذِي يَقْبِضُ الْأَرْوَاحَ» " وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذِهِ التَّعَالِيلِ ; لِأَنَّ الْقِيَامَ لِلْفَزَعِ مِنَ الْمَوْتِ فِيهِ تَعْظِيمٌ لِأَمْرِ اللَّهِ وَتَعْظِيمٌ لِلْقَائِمِينَ بِأَمْرِهِ فِي ذَلِكَ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنْ لَا يَسْتَمِرَّ الْإِنْسَانُ عَلَى الْغَفْلَةِ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَيِّتِ لِإِشْعَارِهِ بِالتَّسَاهُلِ بِأَمْرِ الْمَوْتِ وَلِذَا اسْتَوَى كَوْنُ الْمَيِّتِ مُسْلِمًا أَوْ غَيْرَ مُسْلِمٍ.

وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إِنَّمَا قَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأَذِّيًا بِرِيحِ الْيَهُودِيِّ. زَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ بِتَحْتِيَّةٍ وَمُعْجَمَةٍ: فَإِذَا رِيحُ بَخُورِهَا. وَلِلْبَيْهَقِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَسَنِ: كَرَاهِيَةَ أَنْ يَعْلُوَ عَلَى رَأْسِهِ فَلَا تُعَارِضُ الْأَخْبَارَ الْأُولَى ; لِأَنَّ أَسَانِيدَ هَذِهِ لَا تُقَاوِمُ تِلْكَ فِي الصِّحَّةِ وَلِأَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ فَهِمَهُ الرَّاوِي وَالتَّعْلِيلُ الْمَاضِي لَفَظَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ تَصْرِيحَهُ بِالتَّعْلِيلِ فَعَلَّلَ بِاجْتِهَادِهِ (ثُمَّ جَلَسَ بَعْدُ) بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ وَالْقِيَامُ وَالْجُلُوسُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ وَالثَّانِي لِمَنْ يُشَيِّعُهَا يَقُومُ لَهَا حَتَّى تُوضَعَ، وَالْجُلُوسُ نَاسِخٌ لِلْقِيَامِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، قَالَهُ الْبَاجِيُّ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ بَعْدُ، أَيْ بَعْدَ أَنْ جَازَتْهُ وَبَعُدَتْ عَنْهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ فِي وَقْتٍ ثُمَّ تَرَكَهُ أَصْلًا، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِعْلُهُ الْأَخِيرَ قَرِينَةً فِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالْقِيَامِ لِلنَّدْبِ أَوْ نَسْخٍ لِلْوُجُوبِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ ظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ ; لِأَنَّ احْتِمَالَ الْمَجَازِ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ يَدْفَعُهُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى قَوْمٍ قَامُوا أَنْ يَجْلِسُوا، ثُمَّ حَدَّثَهُمْ بِالْحَدِيثِ، وَلِذَا قَالَ بِكَرَاهَةِ الْقِيَامِ جَمَاعَةٌ، انْتَهَى.

وَقَالَ مَالِكٌ: جُلُوسُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسِخٌ لِقِيَامِهِ، وَاخْتَارَ أَنْ لَا يَقُومَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: قِيَامُهُ إِمَّا مَنْسُوخٌ أَوْ قَامَ لِعِلَّةٍ، وَأَيُّهُمَا كَانَ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ تَرَكَهُ بَعْدَ فِعْلِهِ، وَالْحُجَّةُ فِي الْآخِرِ مِنْ أَمْرِهِ وَالْقُعُودُ أَحَبُّ إِلَيَّ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: قُعُودُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ لِلنَّدْبِ وَلَا يَجُوزُ أَنَّهُ نُسِخَ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ بِنَهْيٍ أَوْ تَرْكٍ مَعَهُ نَهْيٌ. قَالَ الْحَافِظُ: قَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ عُبَادَةَ، قَالَ: " «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ لِلْجَنَازَةِ فَمَرَّ بِهِ حَبْرٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ: هَكَذَا نَفْعَلُ، فَقَالَ: اجْلِسُوا وَخَالِفُوهُمْ» " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا النَّسَائِيَّ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِسْنَادُهُ ضَعِيفًا لَكَانَ حُجَّةً فِي النَّسْخِ. وَقَالَ عِيَاضٌ: ذَهَبَ جَمْعٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى نَسْخِهِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَهُوَ هُنَا مُمْكِنٌ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ جَلَسَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، قَالَ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْقِيَامَ مُسْتَحَبٌّ، وَبِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي، انْتَهَى. وَرَدَّهُ الْأَذْرُعِيُّ بِأَنَّ الَّذِي فَهِمَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ التَّرْكُ مُطْلَقًا وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَلِذَا أَمَرَ بِالْقُعُودِ مَنْ رَآهُ قَائِمًا وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَبِيبٍ: قُعُودُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، فَمَنْ جَلَسَ فَهُوَ فِي سِعَةٍ، وَمَنْ قَامَ فَلَهُ أَجْرٌ. وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ وَغَيْرِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مُطَوَّلًا بِقِصَّةٍ، وَسَاقَهُ بَعْدَ أَحَادِيثِ الْأَمْرِ بِالْقِيَامِ فَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى نَسْخِهِ، وَبِهِ جَزَمَ التِّرْمِذِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>