حَزْنٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) خَرَجَ الْكَافِرُ، قَالَ الْحَافِظُ: لَكِنْ هَلْ يَحْصُلُ ذَلِكَ لِمَنْ مَاتَ لَهُ أَوْلَادٌ فِي الْكُفْرِ ثُمَّ أَسْلَمَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: " «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاتَ لِي وَلَدَانِ، فَقَالَ: مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدَانِ فِي الْإِسْلَامِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ» ". وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَبْسَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ» ". رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.
(ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ) بِفَتْحَتَيْنِ، وَهُوَ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى الصُّلْبِيَّةَ عَلَى الظَّاهِرِ لِرِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: ثَلَاثَةٌ مِنْ صُلْبِهِ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَفِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ بَحْثٌ، وَيَظْهَرُ أَنَّ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ الصُّلْبِ يَدْخُلُونَ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ فَقْدِ الْوَسَائِطِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَبِ، وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ مِنْ صُلْبِهِ يَدُلُّ عَلَى إِخْرَاجِ وَلَدِ الْبَنَاتِ، وَزَادَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ. وَكَذَا لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَمُثَلَّثَةٍ، عَلَى الْمَحْفُوظِ أَيِ الْحُلُمَ، وَخَصَّ الصَّغِيرَ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الشَّفَقَةَ عَلَيْهِمْ أَعْظَمُ وَالْحُبَّ لَهُمْ أَشَدُّ وَالرَّحْمَةَ أَوْفَرُ، فَمَنْ بَلَغَ الْحِنْثَ لَا يَحْصُلُ لِفَاقِدِهِ هَذَا الثَّوَابُ الْمَذْكُورُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَجْرٌ، وَبِهَذَا صَرَّحَ كَثِيرٌ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْعُقُوقُ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِ الرَّحْمَةِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ لِعَدَمِ خِطَابِهِ.
وَقَالَ الزَّيْنُ ابْنُ الْمُنِيرِ: بَلْ يَدْخُلُ الْكَبِيرُ بِطَرِيقِ الْفَحْوَى ; لِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الطِّفْلِ الَّذِي هُوَ كَلٌّ عَلَى أَبَوَيْهِ، فَكَيْفَ لَا يَثْبُتُ فِي الْكَبِيرِ الَّذِي بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ وَوَصَلَ لَهُ مِنْهُ النَّفْعُ وَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ الْخِطَابُ بِالْحُقُوقِ، وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فِي بَقِيَّةِ حَدِيثِ أَنَسٍ: بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ ; لِأَنَّ الرَّحْمَةَ لِلصِّغَارِ أَكْثَرُ لِعَدَمِ حُصُولِ الْإِثْمِ مِنْهُمْ، وَهَلْ يَلْحَقُ بِالصِّغَارِ مَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا مَثَلًا وَبَقِيَ كَذَلِكَ حَتَّى مَاتَ، فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ كَوْنَهُمْ لَا إِثْمَ عَلَيْهِمْ يَقْتَضِي الْإِلْحَاقَ، وَكَوْنُ الِامْتِحَانِ بِهِمْ يَخِفُّ بِمَوْتِهِمْ يَقْتَضِي عَدَمَهُ، وَلَمْ يَقَعِ التَّقْيِيدُ فِي طُرُقِ الْحَدِيثِ بِشِدَّةِ الْحُبِّ وَلَا عَدَمِهِ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي ذَلِكَ لِمَا يُوجَدُ مِنْ كَرَاهَةِ بَعْضِ النَّاسِ لِوَلَدِهِ وَتَبَرُّمِهِ بِهِ وَلَا سِيَّمَا مَنْ كَانَ ضَيِّقَ الْحَالِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْوَلَدُ مَظِنَّةَ الْمَحَبَّةِ وَالشَّفَقَةِ نِيطَ بِهِ الْحُكْمُ وَإِنْ تَخَلَّفَ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ.
(فَتَمَسَّهُ النَّارُ) بِالنَّصْبِ جَوَابًا لِلنَّفْي (إِلَّا تَحِلَّةَ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَشَدِّ اللَّامِ أَيْ مَا يَنْحَلُّ بِهِ (الْقَسَمِ) وَهُوَ الْيَمِينُ، أَيْ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: ٧١] (سُورَةُ مَرْيَمَ: الْآيَةُ ٧١) عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَقْلِيلُ أَمْرِ وُرُودِهَا، وَهَذَا لَفْظٌ يُسْتَعْمَلُ، يُقَالُ مَا ضَرَبْتُهُ إِلَّا تَحْلِيلًا، إِذَا لَمْ يُبَالِغْ فِي الضَّرْبِ، أَيْ قَدْرًا يُصِيبُهُ مِنْهُ مَكْرُوهٌ، وَقِيلَ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَعْنَى الْوَاوِ، أَيْ لَا تَمَسُّهُ النَّارُ كَثِيرًا وَلَا قَلِيلًا وَلَا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ، وَقَدْ جَوَّزَ الْفَرَّاءُ وَالْأَخْفَشُ مَجِيءَ إِلَّا بِمَعْنَى الْوَاوِ وَجَعَلَا مِنْهُ: {لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ - إِلَّا مَنْ ظَلَمَ} [النمل: ١٠ - ١١] (سُورَةُ النَّمْلِ: الْآيَةُ ١٠، ١١) قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute