للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا يَدْخُلُ النَّارَ لِيُعَاقَبَ بِهَا وَلَكِنَّهُ يَدْخُلُهَا مُجْتَازًا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْجَوَازُ إِلَّا قَدْرَ مَا يُحِلُّ بِهِ الرَّجُلُ يَمِينَهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، يَعْنِي الْوُرُودَ، وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قِيلَ: وَمَا تَحِلَّةُ الْقَسَمِ؟ قَالَ: قَوْلُهُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: ٧١] وَكَذَا حَكَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ.

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ نَحْوَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ مَرْفُوعًا: " «مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ لَمْ يَرِدِ النَّارَ إِلَّا عَابِرَ سَبِيلٍ» " يَعْنِي الْجَوَازَ عَلَى الصِّرَاطِ، وَاخْتُلِفَ فِي مَوْضِعِ الْقَسَمِ مِنَ الْآيَةِ فَقِيلَ مُقَدَّرٌ هُوَ وَاللَّهِ وَإِنْ مِنْكُمْ، وَقِيلَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْقَسَمِ الْمَاضِي فِي قَوْلِهِ: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} [مريم: ٦٨] (سُورَةُ مَرْيَمَ: الْآيَةُ ٦٨) أَيْ وَرَبِّكَ إِنْ مِنْكُمْ. وَقِيلَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ: {حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: ٧١] أَيْ قَسَمًا وَاجِبًا وَبِهِ فَسَّرَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْآيَةَ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ، أَخْرَجَهَا الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَسَمِ مَا دَلَّ عَلَى الْقَطْعِ وَالْبَتِّ مِنَ السِّيَاقِ فَإِنَّ قَوْلَهُ: (كَانَ عَلَى رَبِّكَ) (سُورَةُ مَرْيَمَ: الْآيَةُ ٧١) تَذْيِيلٌ وَتَقْرِيرٌ لِقَوْلِهِ: {وَإِنْ مِنْكُمْ} [النساء: ٧٢] فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَسَمِ أَوْ أَبْلَغُ ; لِمَجِيءِ الِاسْتِثْنَاءِ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ.

وَرَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: الْوُرُودُ الدُّخُولُ لَا يَبْقَى بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ إِلَّا دَخَلَهَا، فَتَكُونُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بَرْدًا وَسَلَامًا. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا: " «يَرِدُونَهَا أَوْ يَلِجُونَهَا ثُمَّ يَصْدُرُونَ عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ» " وَقِيلَ الْوُرُودُ: الْمُرُورُ عَلَيْهَا، رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَقَتَادَةَ وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ وَزَادَ: «سَيُورَدُ كُلٌّ عَلَى مَتْنِهَا، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ أَمْسِكِي أَصْحَابَكِ وَدَعِي أَصْحَابِي، فَيَخْرُجُ الْمُؤْمِنُونَ نَدِيَّةً أَبْدَانُهُمْ» " وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ أَصَحُّ مَا وَرَدَ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ مِنْ عَبَّرَ بِالدُّخُولِ تَجَوَّزَ بِهِ عَنِ الْمُرُورِ ; لِأَنَّ الْمَارَّ عَلَيْهَا فَوْقَ الصِّرَاطِ فِي مَعْنَى مَنْ دَخَلَهَا، لَكِنْ تَخْتَلِفُ أَحْوَالُهُمْ بِاخْتِلَافِ أَعْمَالِهِمْ، فَأَعْلَاهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ، كَمَا فُصِّلَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، وَيُؤَيِّدُ صِحَّةَ هَذَا التَّأْوِيلِ مَا فِي مُسْلِمٍ: «أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا قَالَ لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: ٧١] ؟ فَقَالَ: أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم: ٧٢] (سُورَةُ مَرْيَمَ: الْآيَةُ ٧٢) الْآيَةَ» " وَفِي هَذَا ضُعِّفَ الْقَوْلُ إِنَّ الْوُرُودَ مُخْتَصٌّ بِالْكُفَّارِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ الدُّنُوُّ مِنْهَا، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ الْإِشْرَافُ عَلَيْهَا، وَقِيلَ مَعْنَى وُرُودِهَا مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْحُمَّى عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَخِيرَ لَيْسَ بِبَعِيدٍ وَلَا يُنَافِيهِ بَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ، انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَمُسْلِمٌ فِي الْبِرِّ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَائِلًا: إِلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ فَيَلِجَ النَّارَ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>