للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صَغِيرٍ، وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ حُجَّةٌ فِي صِحَّةِ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ (فَقَالَتِ امْرَأَةٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ الْأَنْصَارِيَّةُ وَالِدَةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، كَمَا لِلطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْهَا، وَكَذَا سَأَلَتْهُ أُمُّ مُبَشِّرٍ الْأَنْصَارِيَّةُ عَنْ ذَلِكَ وَأُمُّ أَيْمَنَ، رَوَاهُمَا الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا. وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَائِشَةَ سَأَلَتْ ذَلِكَ. وَحَكَى ابْنُ بَشْكُوَالَ أَنَّ أُمَّ هِانِئٍ سَأَلَتْ عَنْ ذَلِكَ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ. وَأَمَّا تَعَدُّدُ الْقِصَّةِ فَبَعِيدٌ ; لِأَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنِ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ وَأَجَابَ بِأَنَّهُمَا كَذَلِكَ يَبْعُدُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الثَّلَاثَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، نَعَمْ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ مِمَّنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ، وَكَذَا عُمَرُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ، وَكَذَا أَبُو ذَرٍّ، وَهَذَا لَا يَبْعُدُ تَعَدُّدُهُ ; لِأَنَّ عِلْمَ النِّسَاءِ بِذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ عِلْمَ الرِّجَالِ.

(يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوِ اثْنَانِ) قَالَ عِيَاضٌ: فِيهِ أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ; لِأَنَّ الصَّحَابَةَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ وَلَمْ تَعْتَبِرْهُ إِذْ لَوِ اعْتَبَرَتْهُ لَانْتَفَى الْحُكْمُ عِنْدَهَا عَمَّا عَدَا الثَّلَاثَةَ، لَكِنَّهَا جَوَّزَتْ ذَلِكَ فَسَأَلَتْ كَذَا، قَالَ: وَتَبِعَهُ ابْنُ التِّينِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا اعْتَبَرَتْ مَفْهُومَ الْعَدَدِ إِذْ لَوْ لَمْ تَعْتَبِرْهُ لَمْ تَسْأَلْ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ دَلَالَتَهُ لَيْسَتْ نَصًّا بَلْ مُحْتَمَلَةً وَلِذَا سَأَلَتْ (قَالَ أَوِ اثْنَانِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِوَحْيٍ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ، وَلَا بُعْدَ فِي نُزُولِ الْوَحْيِ فِي أَسْرَعِ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ لَكِنَّهُ أَشْفَقَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّكِلُوا ; لِأَنَّ مَوْتَ الِاثْنَيْنِ غَالِبًا أَكْثَرُ مِنْ مَوْتِ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ فِي الشَّهَادَةِ بِالتَّوْحِيدِ، ثُمَّ لَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ الْجَوَابِ، وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ حُكْمِ الثَّلَاثَةِ وَالِاثْنَيْنِ وَيَتَنَاوَلُ الْأَرْبَعَةَ فَمَا فَوْقَهَا مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَلِذَا لَمْ تَسْأَلْ عَمَّا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمُصِيبَةَ إِذَا كَثُرَتْ كَانَ الْأَجْرُ أَعْظَمَ. وَقَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ: خُصَّتِ الثَّلَاثَةُ بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّهَا أَوَّلُ مَرَاتِبِ الْكَثْرَةِ فَتَعْظُمُ الْمُصِيبَةُ بِكَثْرَةِ الْأَجْرِ، وَأَمَّا إِنْ زَادَ عَلَيْهَا فَقَدْ يَخِفُّ أَمْرُ الْمُصِيبَةِ لِكَوْنِهَا تَصِيرُ كَالْعَادَةِ كَمَا قِيلَ: رُوِّعْتُ بِالْبَيْنِ حَتَّى مَا أُرَاعُ لَهُ. جُمُودٌ شَدِيدٌ فَإِنْ مَاتَ لَهُ أَرْبَعَةٌ فَقَدْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ ضَرُورَةً ; لِأَنَّهُمْ إِنْ مَاتُوا دُفْعَةً وَاحِدَةً فَقَدْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ وَزِيَادَةٌ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْمُصِيبَةَ بِذَلِكَ أَشَدُّ، وَإِنْ مَاتُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْأَجْرَ يَحْصُلُ لَهُ عِنْدَ مَوْتِ الثَّالِثِ بِنَصِّ الصَّادِقِ، فَيَلْزَمُ عَلَى كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ إِنْ مَاتَ لَهُ أَرْبَعٌ ارْتَفَعَ لَهُ ذَلِكَ الْأَجْرُ مَعَ تَجَدُّدِ الْمُصِيبَةِ، وَكَفَى بِهَذَا فَسَادًا. وَلِابْنِ حِبَّانَ: فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: يَا لَيْتَنِي قُلْتُ وَوَاحِدٌ. وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الْوَاحِدِ. وَلِأَحْمَدَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: " «مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَاحْتَسَبَهُمْ دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْنَا: وَاثْنَانِ؟ قَالَ: وَاثْنَانِ» " قَالَ مَحْمُودٌ لِجَابِرٍ: أَرَاكُمْ لَوْ قُلْتُمْ وَوَاحِدٌ لَقَالَ وَوَاحِدٌ، وَأَنَا أَظُنُّ ذَلِكَ.

وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الثَّلَاثَةُ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا: " «مَنْ دَفَنَ ثَلَاثَةً فَصَبَرَ عَلَيْهِمْ وَاحْتَسَبَ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، فَقَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ: أَوِ اثْنَيْنِ؟ قَالَ: أَوِ اثْنَيْنِ، فَقَالَتْ: وَوَاحِدٌ؟ فَسَكَتَ ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>