أَنَّهُ أَرَادَهَا بِذَلِكَ لِذِكْرِهَا عِنْدَ التَّفْصِيلِ كَغَيْرِهَا، وَلَا سِيَّمَا حَيْثُ عُطِفَتْ عَلَيْهَا بِحَرْفِ " أَوِ " الْفَاصِلَةِ، وَقَدْ كَانَ الطَّعَامُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْحِنْطَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، حَتَّى إِذَا قِيلَ اذْهَبْ إِلَى سُوقِ الطَّعَامِ فُهِمَ مِنْهُ سُوقُ الْقَمْحِ، وَإِذَا غَلَبَ الْعُرْفُ نَزَلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ، خُطُورُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَغْلَبُ؛ كَذَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ، بَلْ حَكَى بَعْضُهُمُ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: غَلِطَ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ الْحِنْطَةُ؛ لِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَجْمَلَ الطَّعَامَ ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ: «كُنَّا نُخْرِجُ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَكَانَ طَعَامُنَا الشَّعِيرَ وَالزَّبِيبَ وَالْأَقِطَ وَالتَّمْرَ» كَمَا فِي الصَّحِيحِ، زَادَ الطَّحَاوِيُّ: وَلَا نُخْرِجُ غَيْرَهُ، قَالَ: وَفِي قَوْلِهِ: " وَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتِ السَّمْرَاءُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ قُوتًا قَبْلَ هَذَا وَلَا كَثِيرَةً، وَلَا نَعْلَمُ فِي الْفَتْحِ خَبَرًا ثَابِتًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنِ الْبُرُّ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ مِنْهُ، فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا مَا لَمْ يَكُنْ قُوتًا مَوْجُودًا؟ وَأَيَّدَهُ الْحَافِظُ بِرِوَايَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: فَهَذِهِ الطُّرُقُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّعَامِ غَيْرُ الْحِنْطَةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ الذُّرَةُ فَإِنَّهُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَهِيَ قُوتٌ غَالِبٌ لَهُمْ.
وَقَدْ رَوَى الْجَوْزَقِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: " «صَاعًا مِنْ تَمْرٍ صَاعًا مِنْ سُلْتٍ أَوْ ذُرَةٍ» .
وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. . . إِلَخْ، بَعْدَ قَوْلِهِ: " مِنْ طَعَامٍ " مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، لَكِنَّ مَحِلَّهُ أَنْ يَكُونَ الْخَاصُّ أَشْرَفَ وَلَيْسَ الْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ.
(أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ) أَوْ لِلتَّقْسِيمِ لَا لِلتَّخْيِيرِ لِاقْتِضَائِهِ أَنْ يُخْرِجَ الشَّعِيرَ مِنْ قُوتِهِ أَوِ التَّمْرَ مَعَ وُجُودِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
(أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَهُوَ لَبَنٌ فِيهِ زُبْدَةٌ.
(أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ) فَيَخْرُجُ مِنْ أَغْلَبِ الْقُوتِ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ، وَخَالَفَ فِي الْبُرِّ وَالزَّبِيبِ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ، فَقَالَ: لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا، وَرَدَّهُ الْبَاجِيُّ وَعِيَاضٌ بِالْإِجْمَاعِ السَّابِقِ عَلَيْهِمَا، وَقَاسَ عَلَيْهَا مَالِكٌ مَا فِي مَعْنَاهَا وَهُوَ الْأُرْزُ وَالدُّخْنُ وَالذُّرَةُ وَالسُّلْتُ، وَأَجَازَ مَالِكٌ إِخْرَاجَهَا مِنَ الْأَقِطِ وَأَبَاهُ الْحَسَنُ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَكَيْفَ هَذَا مَعَ نَصِّ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ (وَذَلِكَ بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ عِنْدِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ: الْمُدُّ رِطْلَانِ وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ لَمَّا تَنَاظَرَ مَعَ مَالِكٍ فَأَرَاهُ الصِّيعَانَ الَّتِي تَوَارَثَهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْ أَسْلَافِهِمْ مِنْ زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، زَادَ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: " فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ ".
وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: " فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ "، زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: " وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ، وَجَاءَتِ السَّمْرَاءُ قَالَ: أَرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ "، وَلِمُسْلِمٍ: " أَرَى مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ يَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ "، وَبِهَذَا وَنَحْوِهِ تَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ فِي أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْقَمْحِ مُدَّانِ لَكِنْ لَمْ يُوَافِقْ مُعَاوِيَةُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute