خَاصٌّ بِذَلِكَ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِبَقَاءِ الْكَفَّارَةِ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى هَذَا لِأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَهُ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ حِينَ أَمَرَهُ بِهَا، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَمَرَّ لَهُ مَزِيدٌ.
( «وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَ مَا أَصَبْتَ» ) فَفِي هَذَا إِلْزَامُ الْقَضَاءِ مَعَ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْجُمْهُورِ، وَأَسْقَطَهُ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا خَبَرِ عَائِشَةَ وَلَا فِي نَقْلِ الْحَافِظِ لَهُمَا ذِكْرُ الْقَضَاءِ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ جَاءَ مِنْ طَرِيقٍ يُعْرَفُ بِمَجْمُوعِهَا أَنَّ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ أَصْلًا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ.
وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ: إِنْ كَفَرَ بِعِتْقٍ أَوْ إِطْعَامٍ قَضَى الْيَوْمَ، وَإِنْ صَامَ شَهْرَيْنِ دَخَلَ فِيهِمَا قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَنْكِيرِ " يَوْمًا " عِنْدَ اشْتِرَاطِ الْفَوْرِيَّةِ، (قَالَ مَالِكٌ: قَالَ عَطَاءٌ) الْخُرَاسَانِيُّ (فَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ: كَمْ فِي ذَلِكَ الْعَرَقِ مِنَ التَّمْرِ؟ فَقَالَ: مَا بَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا إِلَى عِشْرِينَ) ، وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ: فَأُتِيَ بِعَرَقٍ فِيهِ عِشْرُونَ صَاعًا.
وَفِي مُرْسَلِ عَطَاءٍ عِنْدَ مُسَدَّدٍ: فَأَمَرَ لَهُ بِبَعْضِهِ، وَهُوَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، فَمَنْ قَالَ عِشْرِينَ أَرَادَ أَصْلَ مَا كَانَ فِيهِ، وَمَنْ قَالَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَرَادَ قَدْرَ مَا تَقَعُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِلْكَافَّةِ فِي أَنَّ الْكَفَّارَةَ مُدٌّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ لِأَنَّ الْعَرَقَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ اخْتِصَاصُ الْكَفَّارَةِ بِالْعَمْدِ وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ خِلَافًا لِمَنْ أَوْجَبَهَا عَلَى النَّاسِي أَيْضًا مُتَمَسِّكًا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ اسْتِفْسَارَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ هَلْ كَانَ عَمْدًا أَوْ عَنْ نِسْيَانٍ؟ وَتَرْكُ الِاسْتِفْسَارِ فِي الْفِعْلِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ الْحَالُ مِنْ قَوْلِهِ احْتَرَقْتُ وَهَلَكْتُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، وَأَيْضًا فَدُخُولُ النِّسْيَانِ فِي الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَإِنْ أَمْكَنَ.
(قَالَ مَالِكٌ: سَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: لَيْسَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ بِإِصَابَةِ أَهْلِهِ نَهَارًا) عَمْدًا، (أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِالْأَوْلَى (الْكَفَّارَةُ الَّتِي تُذْكَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ أَصَابَ أَهْلَهُ نَهَارًا فِي رَمَضَانَ) لِأَنَّهَا لِحُرْمَةِ انْتِهَاكِهِ (وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ) فَقَطْ، (قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ فِيهِ إِلَيَّ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute