للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْحَمْلِ كَمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ.

( «قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُهْدِيَ بَدَنَةً» ؟) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَحْفُوظٌ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ إِلَّا هَذِهِ الْجُمْلَةَ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ.

وَنَقَلَ الْقَاسِمُ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: كَذَبَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ مَا حَدَّثْتُهُ، إِنَّمَا بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ تَصَدَّقْ، وَقَدِ اضْطَرَبَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقَاسِمِ وَلَا يَخْرُجُ بِمِثْلِهِ عَطَاءٌ فَإِنَّهُ فَوْقَهُ فِي الشُّهْرَةِ بِحَمْلِهِ الْعِلْمَ وَشُهْرَتِهِ فِيهِ وَفِي الْخَبَرِ أَكْثَرَ مِنَ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَانَ الْبُخَارِيُّ أَدْخَلَهُ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ بِهَذَا الْخَبَرِ فَلَمْ يُتَابَعْ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ أَسْنَدَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ ذِكْرَ الْبَدَنَةِ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، فَرَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «أَعْتِقْ رَقَبَةً، ثُمَّ قَالَ: انْحَرْ بَدَنَةً» ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَكَذَا أَسْنَدَهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا، إِلَّا أَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَرَوْا نَحْرَ الْبَدَنِ عَمَلًا بِحَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَفْتَى بِذَلِكَ إِلَّا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ انْتَهَى مُلَخَّصًا، وَحَاصِلُهُ أَنَّ غَلَطَ الثِّقَةِ فِي لَفْظٍ لَا يَقْتَضِي طَرْحَ حَدِيثِهِ وَلَا تَكْذِيبَهُ دَائِمًا بَلْ يُحْكَمُ بِغَلَطِهِ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَقَطْ، وَالَّذِي فِي الْأَحَادِيثِ قَالَ: " «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ (قَالَ: لَا) » ، وَفِي رِوَايَةٍ: " لَا أَقْدِرُ وَلِلْبَزَّارِ: " «وَهَلْ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ إِلَّا مِنَ الصِّيَامِ» ؟ وَسَقَطَ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: " «هَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا» "، وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ هَذِهِ كَفَّارَاتٍ لِفِطْرِ الصَّائِمِ عَمْدًا سَوَاءٌ قِيلَ إِنَّهَا عَلَى التَّرْتِيبِ أَوِ التَّخْيِيرِ أَنَّ مَنِ انْتَهَكَ حُرْمَةَ الصَّوْمِ بِالْجِمَاعِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَدْ أَهْلَكَ نَفْسَهُ بِالْمَعْصِيَةِ فَنَاسَبَ أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً تَفْدِي نَفْسَهُ، وَقَدْ صَحَّ مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ، وَالصِّيَامُ كَالْمُقَاصَّةِ بِجِنْسِ الْجِنَايَةِ وَكَوْنُهُ شَهْرَيْنِ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِمُصَابَرَةِ النَّفْسِ فِي حِفْظِ كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ عَلَى الْوَلَاءِ، فَلَمَّا أَفْسَدَ مِنْهُ يَوْمًا كَانَ كَمَنْ أَفْسَدَ الشَّهْرَ كُلَّهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ بِالنَّوْعِ فَكُلِّفَ بِشَهْرَيْنِ مُضَاعَفَةً عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ لِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَمُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ مُقَابَلَةُ كُلِّ يَوْمٍ بِإِطْعَامِ مِسْكِينٍ، (قَالَ: فَاجْلِسْ) ، قِيلَ: أَمَرَهُ بِذَلِكَ انْتِظَارًا لِمَا يَأْتِيهِ كَمَا وَقَعَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَجَاءُ فَضْلِ اللَّهِ أَوِ انْتِظَارُ وَحْيٍ يَنْزِلُ فِي أَمْرِهِ، ( «فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقِ تَمْرٍ» ) أَيْ فِيهِ تَمْرٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ: «فَجَلَسَ فَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَسُوقُ حِمَارًا عَلَيْهِ طَعَامٌ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ آنِفًا؟ فَقَامَ الرَّجُلُ» (فَقَالَ: خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ) ، وَعِنْدَ الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ فَقَالَ: إِلَى مَنْ أَدْفَعُهُ؟ فَقَالَ: إِلَى أَفْقَرَ مَنْ تَعْلَمُ (فَقَالَ: مَا أَحَدٌ) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ (أَحْوَجَ) بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ هَكَذَا ضُبِطَ فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ، (مِنِّي، فَقَالَ: كُلْهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ وَإِنَّمَا تَصَدَّقَ عَلَيْهِ لِيَتَبَلَّغَ بِهِ وَتَبْقَى الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ.

وَرُوِيَ: " «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» " وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى الِاحْتِمَالِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَهُ مِنْ أَهْلِهِ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَيُجْزِي عَنْهُ.

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>