للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْجَمْعِ وَوَقْتِ التَّجَلِّي وَرُبَّمَا كَانَ فِي أَقَلَّ مِنْ لَمْحَةٍ، ثُمَّ بَعْدَهَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ لِوَطَنِهِ وَإِلَى شُهُودِ تَفْرِقَتِهِ وَأَحْكَامِ حِسِّهِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْحَالُ مُسْتَمِرًّا تَمَنَّى أَنْ يَرَاهُمْ رُؤْيَةَ كَشْفٍ وَإِدْرَاكٍ فِي ذَلِكَ الْآنَ، وَبِتَأَمُّلِ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَبَرِ: " «تَجَلَّى لِي عِلْمُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» " وَخَبَرِ: " «زُوِيَتْ لِيَ الْأَرْضُ» " اهـ.

وَأُورِدَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بَعْدَ الْمَوْتِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَمَنِّيِ الْمَوْتَ وَقَدْ قَالَ: " «لَا يَتَمَنَّيْنَ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ» " وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْمَلْزُومِيَّةِ وَإِنْ سَلِمَتْ، فَالْمَنْعُ لِمَا قَالَ " لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ " قَالَ الْأَبِيُّ: وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّهُ تَمَنٍّ حَقِيقِيٌّ وَقَدْ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا هُوَ تَشْرِيفٌ لِقَدْرِ أُولَئِكَ الْإِخْوَانِ.

(وَأَنَا فَرَطُهُمْ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَبَعْدَ الطَّاءِ هَاءٌ أَيْ فَرَطُ إِخْوَانِنَا وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ بِالْكَافِ بَدَلَ الْهَاءِ خِطَابًا لِلصَّحَابَةِ.

(عَلَى الْحَوْضِ) قَالَ لِلْبَاجِيِّ: يُرِيدُ أَنَّهُ يَتَقَدَّمُهُمْ إِلَيْهِ وَيَجِدُونَهُ عِنْدَهُ، يُقَالُ فَرَطْتُ الْقَوْمَ إِذَا تَقَدَّمْتَهُمْ لِتَرْتَادَ لَهُمُ الْمَاءَ وَتُهَيِّئَ لَهُمُ الدِّلَاءَ وَالرِّشَاءَ، وَافْتَرَطَ فُلَانٌ ابْنًا لَهُ أَيْ تَقَدَّمَ لَهُ ابْنٌ اهـ.

وَبِهَذَا فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فَضَرَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلًا لِمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَصْحَابِهِ يُهَيِّئُ لَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَا أَمَامَكُمْ وَأَنْتُمْ وَرَائِي لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ أُمَّتَهُ شَافِعًا وَعَلَى الْحَوْضِ.

( «فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ مِنْ أُمَّتِكَ» ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلَاءِ: " «كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ» " وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ.

(قَالَ: أَرَأَيْتَ) أَخْبِرْنِي (لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ) وَلِمُسْلِمٍ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ (خَيْلٌ غُرٌّ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الرَّاءِ جَمْعُ أَغَرَّ أَيْ ذُو غُرَّةٍ.

وَهِيَ بَيَاضٌ فِي جَبْهَةِ الْفَرَسِ (مُحَجَّلَةٌ) بِمُهْمَلَةٍ فَجِيمٍ مِنَ التَّحْجِيلِ وَهُوَ بَيَاضٌ فِي ثَلَاثَةِ قَوَائِمَ مِنْ قَوَائِمِ الْفَرَسِ وَأَصْلُهُ مِنَ الْحَجْلِ وَهُوَ الْخَلْخَالُ (فِي خَيْلٍ دُهْمٍ) بِضَمِّ الدَّالِ وَسُكُونِ الْهَاءِ جَمْعُ أَدْهَمَ وَالدُّهْمَةُ السَّوَادُ (بُهْمٍ) جَمْعُ بَهِيمٍ قِيلَ هُوَ الْأَسْوَدُ أَيْضًا، وَقِيلَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ لَوْنُهُ لَوْنَ سِوَاهُ سَوَاءٌ كَانَ أَسْوَدَ أَوْ أَبْيَضَ أَوْ أَحْمَرَ بَلْ يَكُونُ لَوْنُهُ خَالِصًا.

(أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ) يَعْرِفُهَا، وَبَلَى حَرْفُ إِيجَابٍ يَرْفَعُ حُكْمَ النَّفْيِ وَيُوجِبُ نَقِيضَهُ أَبَدًا.

(قَالَ: فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) حَالَ كَوْنِهِمْ (غُرًّا) أَصْلُ الْغُرَّةِ لَمْعَةٌ بَيْضَاءُ فِي جَبْهَةِ الْفَرَسِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَتْ فِي الْجَمَالِ وَالشُّهْرَةِ وَطِيبِ الذِّكْرِ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا النُّورُ الْكَائِنُ فِي وُجُوهِ أُمَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(مُحَجَّلِينَ) مِنَ التَّحْجِيلِ وَالْمُرَادُ النُّورُ أَيْضًا.

(مِنَ الْوُضُوءِ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا عَلَى أَنَّهُ الْمَاءُ قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ السِّيمَا إِنَّمَا تَكُونُ لِمَنْ تَوَضَّأَ فِي الدُّنْيَا وَبِهِ جَزَمَ الْأَنْصَارِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا تَكُونُ حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>