لِمَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ كَمَا يُقَالُ لَهُمْ أَهْلُ الْقِبْلَةِ مَنْ صَلَّى وَمَنْ لَا، وَفِي قِيَاسِهِ عَلَى الْإِيمَانِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ التَّصْدِيقُ وَالشَّهَادَةُ وَإِنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ وَفَعَلَ الْحَرَامَ، بِخِلَافِ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فَمُجَرَّدُ فَضِيلَةٍ وَتَشْرِيفٍ لِمَنْ تَوَضَّأَ بِالْفِعْلِ لَا لِسِوَاهُ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُتَوَضِّئُ فِي حَيَاتِهِ لَا مَنْ وَضَّأَهُ الْغَاسِلُ، فَلَوْ تَيَمَّمَ لِعُذْرٍ طُولَ حَيَاتِهِ حَصَلَتْ لَهُ السِّيمَا لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْوُضُوءِ وَقَدْ سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضُوءًا فَقَالَ: " «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُؤْمِنِ» " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ.
(وَأَنَا فَرَطُهُمْ) مُتَقَدِّمُهُمُ السَّابِقُ.
(عَلَى الْحَوْضِ) وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِتَقَدُّمِهِ سَابِقًا، لَكِنْ قَدْ عُلِمَ أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى السَّابِقَ بِالْكَافِ فَعَلَيْهِ يَكُونُ بَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ كَمَا أَنَّهُ فَرَطُ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِهَذَا أَوَّلًا كَذَلِكَ هُوَ فَرَطٌ لِأُمَّتِهِ الْآتِينَ بَعْدَهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
(فَلَا يُذَادَنَّ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ فَأَلِفٍ فَمُهْمَلَةٍ أَيْ لَا يُطْرَدَنَّ، كَذَا رَوَاهُ يَحْيَى وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ نَافِعٍ عَلَى النَّهْيِ أَيْ لَا يَفْعَلَنَّ أَحَدٌ فِعْلًا يُذَادُ بِهِ عَنْ حَوْضِي.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَيَشْهَدُ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا: " «إِنِّي فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ وَرَدَ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا فَلَا يَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونَنِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ» " وَرَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ وَمِنْهُمُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَبُو مُصْعَبٍ: فَلَيُذَادَنَّ بِلَامِ التَّأْكِيدِ عَلَى الْإِخْبَارِ أَيْ لَيَكُونَنَّ لَا مَحَالَةَ مَنْ يُذَادُ.
قَالَ الْبَاجِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَأَسْلَمُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلَاءِ: أَلَا لَيُذَادَنَّ (رِجَالٌ) بِالْجَمْعِ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ إِلَّا يَحْيَى، فَقَالَ رَجُلٌ بِالْإِفْرَادِ قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ عَلَى إِرَادَةِ الْجِنْسِ (عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ) يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنَ الْإِبِلِ بِخِلَافِ الْجَمَلِ فَالذَّكَرُ كَالْإِنْسَانِ وَالرَّجُلِ.
(الضَّالُّ) الَّذِي لَا رَبَّ لَهُ فَيَسْقِيهِ (أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ مُشَدَّدَةً يَسْتَوِي فِيهِ الْجَمْعُ وَالْمُفْرَدُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ فِي لُغَةٍ وَمِنْهُ {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: ١٨] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ ١٨) أَيْ تَعَالَوْا.
(أَلَا هَلُمَّ أَلَا هَلُمَّ) ذَكَرَهُ ثَلَاثًا (فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ) قِيلَ مَعْنَاهُ غَيَّرُوا سُنَّتَكَ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ فَأَقُولُ: " «رَبِّ إِنَّهُمْ مِنْ أُمَّتِي فَيَقُولُ: مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ» " وَاسْتَشْكَلَ مَعَ قَوْلِهِ: " «حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ وَمَمَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ، تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ، فَمَا كَانَ مِنْ حَسَنٍ حَمِدْتُ اللَّهَ عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ اسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ لَكُمْ» " رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَيْهِ عَرْضًا مُجْمَلًا فَيُقَالُ: عَمِلَتْ أُمَّتُكَ شَرًّا عَمِلَتْ خَيْرًا، أَوْ أَنَّهَا تُعْرَضُ دُونَ تَعْيِينِ عَامِلِهَا، ذَكَرَهُ الْأَبِيُّ وَفِيهِمَا بُعْدٌ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ إِلَّا وَتُعْرَضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْمَالُ أُمَّتِهِ غُدْوَةً وَعَشِيًّا فَيَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَأَعْمَالِهِمْ، فَقَدْ أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مُنَادَاتَهُمْ لِزِيَادَةِ الْحَسْرَةِ وَالنَّكَالِ، إِذْ بِمُنَادَاتِهِ لَهُمْ حَصَلَ عِنْدَهُمْ رَجَاءُ النَّجَاةِ، وَقَطْعُ مَا يُرْجَى أَشَدُّ فِي النَّكَالِ وَالْحَسْرَةِ مِنْ قَطْعِ مَا لَا يُرْجَى، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ إِنَّهُمْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ لِأَنَّهُ أَيْضًا زِيَادَةٌ فِي