للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تَنْكِيلِهِمْ، وَهِيَ أَجْوِبَةٌ إِقْنَاعِيَّةٌ يَرُدُّ عَلَى ثَالِثِهَا رِوَايَةُ: " «فَأَقُولُ رَبِّ إِنَّهُمْ مِنْ أُمَّتِي فَيَقُولُ مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ» " (فَأَقُولُ فَسُحْقًا) بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِهَا لُغَتَانِ أَيْ بُعْدًا (فَسُحْقًا فَسُحْقًا) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَنَصْبُهُ بِتَقْدِيرِ أَلْزَمَهُمُ اللَّهُ أَوْ سَحَقَهُمْ سُحْقًا.

قَالَ الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُرْتَدِّينَ وَكُلُّ مَنْ تَوَضَّأَ يُحْشَرُ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فَلِأَجْلِهَا دَعَاهُمْ، وَلَوْ لَمْ تَكُنِ السِّيمَا إِلَّا لِلْمُؤْمِنِينَ لَمَا دَعَاهُمْ وَلَمَا ظَنَّ أَنَّهُمْ مِنْهُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَنْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَدَّلَ بَعْدَهُ وَارْتَدَّ فَدَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِلْمِهِ بِهِمْ أَيَّامَ حَيَاتِهِ وَإِظْهَارِهِمُ الْإِسْلَامَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ غُرَّةٌ وَلَا تَحْجِيلٌ لَكِنْ لِكَوْنِهِمْ عِنْدَهُ فِي حَيَاتِهِ وَصُحْبَتِهِ بِاسْمِ الْإِسْلَامِ وَظَاهِرِهِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ يُعْطَوْنَ نُورًا وَيُطْفَأُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، فَكَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ نُورًا بِظَاهِرِ إِيمَانِهِمْ لِيَغْتَرُّوا بِهِ حَتَّى يُطْفَأَ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ عَلَى الصِّرَاطِ كَذَلِكَ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ غُرَّةٌ وَتَحْجِيلٌ حَتَّى يُذَادُوا عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إِلَى الْوُرُودِ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَمَكْرًا بِهِمْ.

وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: لَيْسَ فِي هَذَا مَا يُحَتِّمُ بِهِ لِلْمَذَادِينَ بِدُخُولِ النَّارِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُذَادُوا وَقْتًا فَتَلْحَقُهُمْ شِدَّةٌ وَيَقُولُ لَهُمْ سُحْقًا، ثُمَّ يَتَلَاقَاهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَيُشَفِّعُ فِيهِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ عِيَاضٌ: وَالْبَاجِيُّ وَكَأَنَّهُ جَعَلَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

زَادَ عِيَاضٌ: أَوْ مَنْ بَدَّلَ بِبِدْعَةٍ لَا تُخْرِجُهُ عَنِ الْإِسْلَامِ.

قَالَ غَيْرُهُ: وَعَلَى هَذَا لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ غُرَّةٍ وَتَحْجِيلٍ لِكَوْنِهِمْ مِنْ جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كُلُّ مَنْ أَحْدَثَ فِي الدِّينِ مَا لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ فَهُوَ مِنَ الْمَطْرُودِينَ عَنِ الْحَوْضِ وَأَشَدُّهُمْ مَنْ خَالَفَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ كَالْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَأَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ وَكَذَلِكَ الظَّلَمَةُ الْمُسْرِفُونَ فِي الْجَوْرِ وَطَمْسِ الْحَقِّ وَالْمُعْلِنُونَ بِالْكَبَائِرِ، فَكُلُّ هَؤُلَاءِ يُخَافُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ عُنُوا بِهَذَا الْخَبَرِ اهـ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ بِهِ وَتَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلَاءِ بِنَحْوِهِ فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا وَلَمْ يُخْرِجْهُ الْبُخَارِيُّ، وَمِنَ اللَّطَائِفِ أَنَّ ابْنَ شَاكِرٍ رَوَى فِي كِتَابِ مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ الْمُوَطَّأَ فَقَالَ: مَا عَلِمْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ أَلَّفَ كِتَابًا أَحْسَنَ مِنْ مُوَطَّأِ مَالِكٍ وَمَا ذَكَرَ فِيهِ مِنَ الْأَخْبَارِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَرْغُوبًا عَنْهُ الرِّوَايَةُ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ فِي كُتُبِهِ، وَمَا عَلِمْتُهُ ذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ ذِكْرُ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا مَا فِي حَدِيثِ: " «لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي» " فَلَقَدْ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ مَالِكًا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَأَنَّهُ وَدَّ أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ فِي الْمُوَطَّأِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>