للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ» " وَلَمْ يَخُصَّ صَائِمًا مِنْ غَيْرِهِ وَلَا وَقْتًا.

وَقَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ: " «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لَا أَعُدُّ وَلَا أُحْصِي» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ.

وَبِهَذَا قَالَ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعَيْنِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: إِنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَكَرِهَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ السِّوَاكَ لِلصَّائِمِ آخِرَ النَّهَارِ لِحَدِيثِ: " خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ " لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْخُلُوفَ الَّذِي هَذِهِ صَفَتُهُ وَفَضِيلَتُهُ وَإِنْ كَانَ فِي السِّوَاكِ فَضْلٌ لَكِنَّ فَضْلَ الْخُلُوفِ أَعْظَمُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْخُلُوفَ لَا يَنْقَطِعُ مَا دَامَتِ الْمَعِدَةُ خَالِيَةً غَايَتُهُ أَنَّهُ يَخِفُّ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ فَلَا يُكْرَهُ كَالْمَضْمَضَةِ لِلصَّائِمِ لَاسِيَّمَا وَهِيَ رَائِحَةٌ تَتَأَذَّى بِهَا الْمَلَائِكَةُ فَلَا تُتْرَكُ هُنَالِكَ.

وَأَمَّا الْخَبَرُ فَفَائِدَتُهُ عَظِيمَةٌ بَدِيعَةٌ وَهِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا مَدَحَ الْخُلُوفَ نَهْيًا لِلنَّاسِ عَنْ تَقَذُّرِ مُكَالَمَةِ الصَّائِمِينَ بِسَبَبِ الْخُلُوفِ لَا نَهْيًا لِلصَّائِمِينَ عَنِ السِّوَاكِ، وَاللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ وُصُولِ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ إِلَيْهِ، فَعَلِمْنَا يَقِينًا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالنَّهْيِ بَقَاءَ الرَّائِحَةِ وَإِنَّمَا أَرَادَ نَهْيَ النَّاسِ عَنْ كَرَاهَتِهَا، وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ إِكْرَامَ الصَّائِمِ وَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِلسِّوَاكِ فَيُذْكَرُ أَوْ يُتَأَوَّلُ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ بِهَذَا الْوَقْتِ يَخُصُّ بِهِ عُمُومَ " عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَفِي رِوَايَةٍ: عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ، وَحَدِيثُ الْخُلُوفِ لَا يُخَصِّصُهُ انْتَهَى.

وَتُعُقِّبَ قِيَاسُهُ عَلَى دَمِ الشَّهِيدِ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الصَّائِمَ مُنَاجٍ لِرَبِّهِ فَنُدِبَ لَهُ تَطْيِيبَ فَمِهِ، وَالشَّهِيدُ لَيْسَ بِمُنَاجٍ وَهُوَ جِيفَةٌ أَشَدُّ مِنَ الدَّمِ فَزَوَالُهُ لَا يُؤَثِّرُ شَيْئًا بَلْ بَقَاؤُهُ يُوجِبُ مَزِيدَ الرَّحْمَةِ لَهُ، وَلِأَنَّهُ أَثَرُ الظُّلْمِ الَّذِي يَنْتَصِفُ بِهِ مِنْ خَصْمِهِ، وَسَبِيلُ الْخُصُومَةِ الظُّهُورُ وَلِأَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَأْمَنُ فِيهِ الرِّيَاءَ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ مُنَاجَاةَ الصَّائِمِ لِرَبِّهِ مَعَ دَوَامِ الْخُلُوفِ أَوْلَى لِقَوْلِهِ: أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِأَنَّ مَدْحَهُ يَدُلُّ عَلَى فَضْلِهِ لَا عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَهَذَا الْوِتْرُ أَفْضَلُ مِنَ الْفَجْرِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: " «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» "، وَكَمْ مِنْ عِبَادَةٍ أَثْنَى عَلَيْهَا مَعَ فَضْلِ غَيْرِهَا عَلَيْهَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ قَاعِدَةِ ازْدِحَامِ الْمَصَالِحِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا، فَالسِّوَاكُ إِجْلَالًا لِلَّهِ حَالَ مُنَاجَاتِهِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ تَطْهِيرَ الْفَمِ لِلْمُنَاجَاةِ تَعْظِيمٌ لَهَا، وَالْخُلُوفُ مُنَافٍ لِذَلِكَ فَقَدَّمَ السِّوَاكَ لِخَبَرِ: " لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ ".

(قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ) الِاجْتِهَادِ (يَصُومُهَا وَلَمْ يَبْلُغْنِي ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ) الَّذِينَ لَمْ أُدْرِكُهُمْ كَالصَّحَابَةِ وَكِبَارِ التَّابِعِينَ.

(وَأَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَخَافُونَ بِدْعَتَهُ وَأَنْ يُلْحِقَ) بِضَمٍّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>