ذَهَبْنَا إِلَى الظَّاهِرِ لَمْ تَقَعِ الْمِنَّةُ مَوْقِعَهَا وَتَخْلُو عَنِ الْفَائِدَةِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا غَيْرُ مُيَسَّرٍ لِدُخُولِ إِحْدَى الدَّارَيْنِ، وَرَدَّهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّ فَائِدَةَ الْفَتْحِ تَوْقِيفُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى اسْتِحْمَادِ فِعْلِ الصَّائِمِينَ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ تَعَالَى بِمَنْزِلَةٍ عَظِيمَةٍ، وَأَيْضًا إِذَا عَلِمَ الْمُكَلَّفُ الْمُعْتَقِدُ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ الصَّادِقِ يَزِيدُ ذَلِكَ فِي نَشَاطِهِ وَيَتَلَقَّاهُ بِمَزِيدِ الْقَبُولِ، وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ عُمَرَ: " «إِنَّ الْجَنَّةَ لَتُزَخْرَفُ لِرَمَضَانَ» "، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَقَدِ اسْتَرَابَ مُرِيبٌ فَقَالَ: نَرَى الْمَعَاصِيَ فِي رَمَضَانَ كَمَا هِيَ فِي غَيْرِهِ فَمَا هَذَا التَّصْفِيدُ؟ وَمَا مَعْنَى الْحَدِيثِ؟ وَقَدْ كَذِبَ وَجَهِلَ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَدْ يَكُونُ مِنَ النَّفْسِ وَشَهَوَاتِهَا، سَلَّمْنَا أَنَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ وَسْوَسَتِهِ الَّتِي يَجِدُهَا الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ اتِّصَالُهَا بِالنَّفْسِ إِذْ قَدْ يَكُونُ مَعَ بُعْدِهِ عَنْهَا لِأَنَّهَا مِنْ فِعْلِ اللَّهِ، فَكَمَا يُوجَدُ الْأَلَمُ فِي جَسَدِ الْمَسْحُورِ وَالْمَعْيُونِ عِنْدَ تَكَلُّمِ السَّاحِرِ أَوِ الْعَايِنِ فَكَذَلِكَ يُوجَدُ عِنْدَ وَسْوَسَتِهِ مِنْ خَارِجٍ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّيَاطِينِ الْمَرَدَةُ لِأَنَّهُمْ فِي الْكُفْرِ وَالتَّمَرُّدِ طَبَقَاتٌ فَتُصَفَّدُ الْمَرَدَةُ لَا غَيْرَ فَتَقِلُّ الْمُخَالَفَاتُ، وَلَا شَكَّ فِي قِلَّتِهَا فِي رَمَضَانَ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا فِيهِ كَغَيْرِهِ فَقَدْ بَاهَتْ وَسَقَطَتْ مُكَالَمَتُهُ. انْتَهَى.
وَيُؤَيِّدُ هَذَا رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ: " صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينِ مَرَدَةُ الْجِنِّ "، وَأَجَابَ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّهَا إِنَّمَا تُغَلُّ عَنِ الصَّائِمِينَ الصَّوْمَ الَّذِي حُوفِظَ عَلَى شُرُوطِهِ وَرُوعِيَتْ آدَابُهُ.
وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالشَّيَاطِينِ مُسْتَرِقُو السَّمْعِ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُنِعُوا فِي زَمَنِ نُزُولِ الْقُرْآنِ مِنَ اسْتِرَاقِهِ فَزِيدُوا التَّسَلْسُلَ فِي رَمَضَانَ مُبَالَغَةً فِي الْحِفْظِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ لَا يَخْلُصُونَ مِنِ افْتِتَانِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِالصِّيَامِ الَّذِي فِيهِ قَمْعُ الشَّهَوَاتِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرُ انْتَهَى.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُرَادُ بَعْضُهُمْ وَهُمُ الْمَرَدَةُ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينِ مَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَنَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، فَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلُّ لَيْلَةٍ» ".
(مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ لَا يَكْرَهُونَ السِّوَاكَ لِلصَّائِمِ فِي رَمَضَانَ فِي سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ لَا فِي أَوَّلِهِ) ، وَهُوَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، (وَلَا فِي آخِرِهِ) مِنَ الزَّوَالِ لِلْغُرُوبِ (وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَلَا يَنْهَى عَنْهُ) بَلْ يَسْتَحِبُّونَهُ لِظَاهِرِ الْأَدِلَّةِ كَحَدِيثِ: " «أَفْضَلُ خِصَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ» " وَلَمْ يَخُصَّ وَقْتًا، وَخَبَرُ: " «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute