- (مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلٍ) نَافِعِ (بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ) مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْمَدَنِيِّ الْأَصْبَحِيِّ، (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ:) كَذَا وَقَعَ مَوْقُوفًا فِي الْمُوَطَّآتِ إِلَّا مُوَطَّأِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى فَرَفَعَهُ وَهُوَ لَا يَكُونُ إِلَّا تَوْقِيفًا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.
وَقَدْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ الْأَنْصَارِيِّ وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ الْمَذْكُورِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ) بِتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا (أَبْوَابُ الْجَنَّةِ) حَقِيقَةً لِمَنْ مَاتَ فِيهِ أَوْ عَمِلَ عَمَلًا لَا يَفْسُدُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ عَلَامَةٌ لِلْمَلَائِكَةِ لِدُخُولِ الشَّهْرِ وَتَعْظِيمِ حُرْمَتِهِ، وَلِلْبُخَارِيِّ: أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فَقِيلَ إِنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ وَأَصْلُهُ الْجَنَّةُ.
وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْمُرَادُ مِنَ السَّمَاءِ الْجَنَّةُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: (وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ) حَقِيقَةً أَيْضًا لِذَلِكَ، (وَصُفِّدَتْ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الْفَاءِ غُلَّتِ (الشَّيَاطِينُ) أَيْ شُدَّتْ بِالْأَصْفَادِ وَهِيَ الْأَغْلَالُ الَّتِي يُغَلُّ بِهَا الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَتُرْبَطُ فِي الْعُنُقِ وَهِيَ بِمَعْنَى رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ " حَقِيقَةً أَيْضًا مَنْعًا لَهُمْ مِنْ أَذَى الْمُؤْمِنِينَ وَالتَّشْوِيشِ عَلَيْهِمْ، أَوْ مَجَازٌ عَنْ كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَالْعَفْوِ.
وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةٌ لِمُسْلِمٍ: " فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ " إِلَّا أَنْ يُقَالَ: الرَّحْمَةُ مِنْ أَسْمَاءِ الْجَنَّةِ أَوْ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ، وَأَنَّ الشَّيَاطِينَ يَقِلُّ إِغْوَاؤُهُمْ وَإِيذَاؤُهُمْ فَيَكُونُونَ كَالْمُصَفَّدِينَ وَيَكُونُ تَصْفِيدُهُمْ عَنْ أَشْيَاءَ لِنَاسٍ دُونَ نَاسٍ لِحَدِيثِ: " صُفِّدَتْ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ "، أَوْ فَتْحُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ عِبَارَةٌ عَمَّا يَفْتَحُهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ مِنَ الطَّاعَاتِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الَّتِي لَا تَقَعُ فِي غَيْرِهِ عُمُومًا كَالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ وَفِعْلِ الْخَيِّرَاتِ وَالِانْكِفَافِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ، وَهَذِهِ أَسْبَابٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَأَبْوَابٌ لَهَا، وَكَذَلِكَ تَغْلِيقُ أَبْوَابِ النَّارِ، وَتَصْفِيدُ الشَّيَاطِينِ عِبَارَةٌ عَمَّا يَنْكَفُّونَ عَنْهُ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ، هَكَذَا أَبْدَى الْقَاضِي عِيَاضٌ احْتِمَالَيِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عَلَى السَّوَاءِ وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَأَقَرَّهُ، وَرَجَّحَ الْقُرْطُبِيُّ وَابْنُ الْمُنِيرِ الْحَقِيقَةَ إِذْ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إِلَى صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَا تَمْتَنِعُ الْحَقِيقَةُ لِأَنَّهُمْ ذُرِّيَّةُ إِبْلِيسَ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَطَئُونَ وَيَمُوتُونَ وَيُعَذَّبُونَ وَلَا يُنَعَّمُونَ، وَقَالَ ابْنُ بَزِيزَةَ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّصْفِيدَ حَقِيقَةٌ مَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّهَا تُصَفَّدُ وَتُرْمَى فِي الْبَحْرِ، وَرَجَّحَ التُّورِبِشْتِيُّ الْمَجَازَ فَقَالَ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَنْزِيلِ الرَّحْمَةِ وَإِزَالَةِ الْغَلْقِ عَنْ مَصَاعِدَ أَعْمَالِ الْعِبَادِ تَارَةً بِبَذْلِ التَّوْفِيقِ وَأُخْرَى بِحُسْنِ الْقَبُولِ، وَغَلْقُ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ عِبَارَةٌ عَنْ تَنَزُّهِ أَنْفُسِ الصُّوَّامِ عَنْ رِجْسِ الْفَوَاحِشِ وَالتَّخَلُّصِ مِنَ الْبَوَاعِثِ عَلَى الْمَعَاصِي بِقَمْعِ الشَّهَوَاتِ، وَيُمْنَعُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّهُ ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ الْمَنِّ عَلَى الصُّوَّامِ وَإِتْمَامِ النِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ وَنُدِبُوا إِلَيْهِ حَتَّى صَارَتِ الْجِنَانُ فِي هَذَا الشَّهْرِ كَأَنَّ أَبْوَابَهَا فُتِّحَتْ وَنَعِيمَهَا هُيِّئَ وَالنِّيرَانُ كَأَنَّ أَبْوَابَهَا غُلِّقَتْ وَأَنْكَالَهَا عُطِّلَتْ، وَإِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute