(فَإِنِّي لَا أَرَى بَأْسًا بِالِاعْتِكَافِ فِيهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ) وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ، فَعَمَّ اللَّهُ الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْهَا) ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنَ الْإِمَامِ بِالْقَوْلِ بِالْعُمُومِ وَالتَّعَلُّقِ بِهِ، وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الِاعْتِكَافِ الْمَسْجِدُ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَخْتَصَّ تَحْرِيمُ الْمُبَاشَرَةِ بِهِ لِأَنَّ الْجِمَاعَ مُنَافٍ لِلِاعْتِكَافِ إِجْمَاعًا، فَعُلِمَ مِنْ ذِكْرِ الْمَسَاجِدِ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِيهَا، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبَاشِرَةِ الْجِمَاعُ.
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ عَنْ قَتَادَةَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: كَانُوا إِذَا اعْتَكَفُوا فَخَرَجَ رَجُلٌ لِحَاجَتِهِ فَلَقِيَ امْرَأَتَهُ جَامَعَهَا إِنْ شَاءَ (قَالَ مَالِكٌ: فَمِنْ هُنَالِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي لَا يُجَمَّعُ فِيهَا الْجُمُعَةُ إِذَا كَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ إِلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي يُجَمَّعُ فِيهِ الْجُمْعَةُ) لِانْقِضَاءِ مَا نَوَاهُ مِنَ الِاعْتِكَافِ قَبْلَ مَجِيئِهَا، وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَشْرُوطِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِلِاعْتِكَافِ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ لُبَابَةَ فَأَجَازَهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ لِلْمَرْأَةِ الِاعْتِكَافَ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِلصَّلَاةِ فِيهِ.
وَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ وَقَوْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ: يَجُوزُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ إِلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْمَسَاجِدِ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الصَّلَوَاتُ وَخَصَّهُ أَبُو يُوسُفَ بِالْوَاجِبِ، وَأَمَّا النَّفْلُ فَفِي كُلِّ مَسْجِدٍ.
وَقَالَ الْجُمْهُورُ بِعُمُومِهِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ إِلَّا لِمَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ فَاسْتَحَبَّهُ لَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَامِعِ، وَشَرَطَهُ مَالِكٌ لِانْقِطَاعِ الِاعْتِكَافِ عِنْدَهُمَا بِالْجُمُعَةِ، وَخَصَّهُ طَائِفَةٌ كَالزُّهْرِيِّ بِالْجَامِعِ مُطْلَقًا، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِيِّ بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَعَطَاءٌ بِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ.
(قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُبَيِّتُ الْمُعْتَكِفُ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ خِبَاؤُهُ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَمُوَحَّدَةٍ خَيْمَتُهُ (فِي رَحَبَةٍ مِنْ رِحَابِ الْمَسْجِدِ) وَهِيَ صَحْنُهُ، وَأَمَّا خَارِجُهُ فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ.
(وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يَضْرِبُ بِنَاءً يَبِيتُ فِيهِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي رَحَبَةٍ مِنْ رِحَابِ الْمَسْجِدِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبِيتُ إِلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute