فِي الْمَسْجِدِ قَوْلُ عَائِشَةَ) الَّذِي رَوَاهُ أَوَّلًا: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اعْتَكَفَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ) فَحَصْرُهَا فِي الْحَاجَةِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ بَيَاتَهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ، (وَلَا يَعْتَكِفُ فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، وَلِذَا لَا تُصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةُ فَلَا يُعْتَكَفُ فِيهِ، (وَلَا فِي الْمَنَارِ) الْعَلَمُ الَّذِي يُهْتَدَى بِهِ أَطْلَقَهُ عَلَى الْمَنَارَةِ الَّتِي يُؤَذَّنُ عَلَيْهَا بِجَامِعِ الِاهْتِدَاءِ فَلِذَا قَالَ (يَعْنِي الصَّوْمَعَةَ) لِأَنَّهَا مَوْضِعٌ مُتَّخَذٌ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ كَبَيْتِ الْحُصْرِ وَالْقَنَادِيلِ وَلَهَا اسْمٌ تَخْتَصُّ بِهِ عَنِ الْمَسْجِدِ.
(وَقَالَ مَالِكٌ: يَدْخُلُ الْمُعْتَكِفُ الْمَكَانَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنَ اللَّيْلَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهَا حَتَّى) أَيْ لِأَجْلِ أَنْ (يَسْتَقْبِلَ بِاعْتِكَافِهِ أَوَّلَ اللَّيْلَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهَا) اسْتِحْبَابًا، فَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ تَبَعٌ، إِذِ الِاعْتِكَافُ إِنَّمَا يَكُونُ بِصَوْمٍ وَلَيْسَ اللَّيْلُ بِزَمَانِهِ، وَبِهَذَا قَالَ بَاقِي الْأَئِمَّةِ وَطَائِفَةٌ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ: يَدْخُلُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ لِظَاهِرِ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ: " «كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ» "، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ دَخَلَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَلَكِنْ إِنَّمَا تَخَلَّى بِنَفَسِهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَعَدَّهُ لِاعْتِكَافِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ.
(وَالْمُعْتَكِفُ مُشْتَغِلٌ بِاعْتِكَافِهِ لَا يَعْرِضُ لِغَيْرِهِ مِمَّا يَشْتَغِلُ بِهِ مِنَ التِّجَارَاتِ) وَيَجُوزُ مَا خَفَّ مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ (أَوْ غَيْرِهَا) كَقِيَامِهِ لِرَجُلٍ يُهَنِّيهِ أَوْ يُعَزِّيهِ أَوْ شُهُودِ عَقْدِ نِكَاحٍ يَقُومُ لَهُ مِنْ مَكَانِهِ وَاشْتِغَالٌ بِعِلْمٍ وَكِتَابَةٍ.
(وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْمُرَ الْمُعْتَكِفُ بِضَيْعَتِهِ وَمَصْلَحَةِ أَهْلِهِ وَأَنْ يَأْمُرَ بِبَيْعِ مَالِهِ أَوْ) يَأْمُرَ (بِشَيْءٍ لَا يَشْغَلُهُ فِي نَفْسِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا كَانَ خَفِيفًا أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ مَنْ يَكْفِيهِ إِيَّاهُ) إِذِ الْمَدَارُ عَلَى عَدَمِ اشْتِغَالِهِ عَمَّا هُوَ فِيهِ وَالْأَمْرُ بِمَا خَفَّ لَا يَشْغَلُهُ.
(قَالَ مَالِكٌ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ فِي الِاعْتِكَافِ شَرْطًا) يُخْرِجُهُ عَنْ سُنَّتِهِ كَمَنْ شَرَطَ أَنَّهُ مَتَى أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute