يَنْفَعُهُ.
(وَإِنَّمَا الِاعْتِكَافُ عَمَلٌ مِنَ الْأَعْمَالِ) الْمُتَّصِلَةِ (مِثْلَ: الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ) وَهِيَ الْعُمْرَةُ وَالطَّوَافُ وَالِائْتِمَامُ، (مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً) أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.
(فَمَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَعْمَلُ بِمَا مَضَى مِنَ السُّنَّةِ) فَيَجِبُ عَلَيْهِ إِتْمَامُهُ وَلَا يَنْفَعُهُ شَرْطُ الْخُرُوجِ.
(وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ فِي ذَلِكَ غَيْرَ مَا مَضَى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ لَا مِنْ شَرْطٍ يَشْتَرِطُهُ) أَيْ لِسَبَبِهِ أَوْ لِأَجْلِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ (وَلَا يَبْتَدِعُهُ) يُحْدِثُهُ بَعْدَ الدُّخُولِ، (وَقَدِ اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَرَفَ الْمُسْلِمُونَ سُنَّةَ الِاعْتِكَافِ) عَنْهُ فَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ الشَّرْطَ فِي الِاعْتِكَافِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الصِّيَامَ وَالصَّلَاةَ لَا شَرْطَ فِيهِمَا، وَفِي الْحَجِّ خِلَافٌ وَكَذَا الِاعْتِكَافِ، فَقَالَ جَمَاعَةٌ: لَا يَجُوزُ وَلَا يَنْفَعُهُ شَرْطُهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ: إِنْ شَرَطَ فِي ابْتِدَاءِ اعْتِكَافِهِ، إِنْ عَرَضَ لَهُ أَمْرٌ خَرَجَ جَازَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَعَنْ إِسْحَاقَ أَيْضًا يَجُوزُ فِي التَّطَوُّعِ لَا الْوَاجِبِ، وَفِي الْمُنْتَقَى: مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا، وَشَرَطَ الْخُرُوجَ مِنْهُ مَتَى أَرَادَ، لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّهُ نَذَرَ اعْتِكَافًا غَيْرَ شَرْعِيٍّ؛ فَإِنْ دَخَلَ لَزِمَهُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخُرُوجِ لِعِيَادَةٍ وَشُهُودِ جَنَازَةٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَوَائِجِهِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقُرْبَةَ إِذَا دَخَلَ فِيهَا لَزِمَتْ بِالدُّخُولِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اعْتِكَافٌ أَقَلُّ مِنْ يَوْمٍ لِأَنَّ شَرْطَهُ الصَّوْمُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ، وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: يَصِحُّ اعْتِكَافُ سَاعَةٍ.
(قَالَ مَالِكٌ: وَالِاعْتِكَافُ وَالْجِوَارُ) بِكَسْرِ الْجِيمِ (سَوَاءٌ) لِمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ: " «كَانَ يُصْغِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ» "، قَالَ الْبَاجِيُّ: يُرِيدُ مَالِكٌ الْجِوَارَ الَّذِي بِمَعْنَى الِاعْتِكَافِ فِي التَّتَابُعِ، وَأَمَّا الْجِوَارُ الَّذِي يَفْعَلُهُ أَهْلُ مَكَّةَ فَإِنَّمَا هُوَ لُزُومُ الْمَسْجِدِ بِالنَّهَارِ وَالِانْقِلَابُ بِاللَّيْلِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ شَيْئًا، وَلَهُ الْخُرُوجُ فِي حَوَائِجِهِ وَوَطْءُ أَهْلِهِ مَتَى شَاءَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
(وَالِاعْتِكَافُ لِلْقَرَوِيِّ وَالْبَدَوِيِّ سَوَاءٌ) فِي الْأَحْكَامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute