التِّنِّيسِيِّ: لَا يَلْبَسُ بِالرَّفْعِ عَلَى الْأَشْهَرِ خَبَرٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ إِذْ هُوَ جَوَابُ السُّؤَالِ أَوْ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَبِالْجَزْمِ عَلَى النَّهْيِ وَكُسِرَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
(وَلَا الْعَمَائِمَ) جَمْعُ عِمَامَةٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَعُمُّ جَمِيعَ الرَّأْسِ، (وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ) جَمْعُ سِرْوَالٍ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَالسَّرَاوِينُ بِالنُّونِ لُغَةٌ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لُغَةٌ أَيْضًا.
(وَلَا الْبَرَانِسَ) جَمْعُ بُرْنُسٍ بِضَمِّ النُّونِ، قَالَ الْمَجْدُ: قَلَنْسُوَةٌ طَوِيلَةٌ أَوْ كُلُّ ثَوْبٍ رَأْسُهُ مِنْهُ، دُرَّاعَةٌ كَانَ أَوْ جُبَّةٌ.
(وَلَا الْخِفَافَ) بِكَسْرِ الْخَاءِ، جَمْعُ خُفٍّ، فَنَبَّهَ بِالْقَمِيصِ عَلَى كُلِّ مَا فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ الْمَخِيطُ، وَالْمَخِيطُ الْمَعْمُولُ عَلَى قَدْرِ الْبَدَنِ، وَبِالسَّرَاوِيلِ عَلَى الْمَخِيطِ الْمَعْمُولِ عَلَى قَدْرِ عُضْوٍ مِنْهُ كَالتُّبَّانِ وَالْقُفَّازِ وَغَيْرِهِمَا، وَبِالْعَمَائِمِ وَالْبَرَانِسِ عَلَى كُلِّ مَا يُغَطِّي الرَّأْسَ مَخِيطًا أَوْ غَيْرَهُ، وَبِالْخِفَافِ عَلَى كُلِّ مَا يَسْتُرُ الرِّجْلَ مِنْ مَدَاسٍ وَجَوْرَبٍ وَغَيْرِهِمَا.
وَالْمُرَادُ بِتَحْرِيمِ الْمَخِيطِ مَا يُلْبَسُ عَلَى الْوَضْعِ الَّذِي جُعِلَ لَهُ وَلَوْ فِي بَعْضِ الْبَدَنِ، فَلَوِ ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ مَثَلًا فَلَا، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: ذَكَرَ الْعِمَامَةَ وَالْبُرْنُسَ مَعًا لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ لَا بِالْمُعْتَادِ وَلَا بِالنَّادِرِ وَمِنْهُ الْمِكْتَلُ يَحْمِلُهُ عَلَى رَأْسِهِ، قَالَ الْحَافِظُ: إِنْ أَرَادَ لَبِسَهُ كَالْقُبَّعِ صَحَّ مَا قَالَ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ وَضْعِهِ عَلَى رَأْسِهِ عَلَى هَيْئَةِ الْحَامِلِ لَهُ لَا يَضُرُّ فِي مَذْهَبِهِ كَالِانْغِمَاسِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى لَابِسًا، وَكَذَا سَتْرُ الرَّأْسِ بِالْيَدِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى اخْتِصَاصِ النَّهْيِ بِالرَّجُلِ، فَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ.
فَإِنْ قِيلَ: السُّؤَالُ وَقَعَ عَمَّا يَجُوزُ لُبْسُهُ وَالْجَوَابُ وَقَعَ عَمَّا لَا يَجُوزُ فَمَا حِكْمَتُهُ؟ أَجَابَ الْعُلَمَاءُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ: بِأَنَّ هَذَا الْجَوَابَ مِنْ بَدِيعِ الْكَلَامِ وَجَزْلِهِ لِأَنَّ مَا لَا يُلْبَسُ مُنْحَصِرٌ فَصَرَّحَ بِهِ، وَأَمَّا الْجَائِزُ فَغَيْرُ مُنْحَصِرٍ فَقَالَ: لَا يُلْبَسُ كَذَا أَيْ يُلْبَسُ مَا سِوَاهُ.
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: أَجَابَ بِمَا لَا يُلْبَسُ لِيَدُلَّ بِالِالْتِزَامِ مِنْ طَرِيقِ الْمَفْهُومِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنِ الْجَوَابِ لِأَنَّهُ أَحْصَرُ وَأَخْصَرُ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ حَقَّ السُّؤَالِ أَنْ يَكُونَ عَمَّا لَا يُلْبَسُ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْعَارِضَ فِي الْإِحْرَامِ الْمُحْتَاجَ لِبَيَانِهِ، إِذِ الْجَوَازُ ثَابِتٌ بِالْأَصْلِ الْمَعْلُومِ بِالِاسْتِصْحَابِ فَكَانَ اللَّائِقُ السُّؤَالُ عَمَّا لَا يُلْبَسُ، قَالَ: وَهَذَا يُشْبِهُ أُسْلُوبَ الْحَكِيمِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ} [البقرة: ٢١٥] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ٢١٥) الْآيَةَ، فَعَدَلَ عَنْ جِنْسِ الْمُنْفَقِ وَهُوَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ إِلَى جِنْسِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ.
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْجَوَابِ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ كَيْفَ كَانَ وَلَوْ بِتَغْيِيرٍ أَوْ زِيَادَةٍ وَلَا تُشْتَرَطُ الْمُطَابَقَةُ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عَنْ نَافِعٍ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عُوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: " «مَا يَتْرُكُ الْمُحْرِمُ» وَهِيَ شَاذَّةٌ وَالِاخْتِلَافُ فِيهَا عَلَى ابْنِ جُرَيْجٍ لَا عَلَى نَافِعٍ.
وَرَوَاهُ سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: " «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ» ؟ "، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَأَبُو عُوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ نَافِعٍ، فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ مَرَّةً مَا يَتْرُكُ وَمَرَّةً مَا يَلْبَسُ، وَأَخْرَجَهُ