للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ نَافِعٍ، فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ يُشْعِرُ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى فَاسْتَقَامَتْ رِوَايَةُ نَافِعٍ لِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا وَاتَّجَهَ الْبَحْثُ الْمُتَقَدِّمُ وَطَعَنَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مِنْ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ، بِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِمَا يَحْصُرُ أَنْوَاعَ مَا يُلْبَسُ كَأَنْ يُقَالَ مَا لَيْسَ بِمَخِيطٍ، وَلَا عَلَى قَدْرِ الْبَدَنِ كَالْقَمِيصِ أَوْ بَعْضِهِ كَالسَّرَاوِيلِ وَالْخُفِّ وَلَا يَسْتُرُ الرَّأْسَ أَصْلًا وَلَا يُلْبَسُ مَا مَسُّهُ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ (إِلَّا أَحَدًا) بِالنَّصْبِ عَرَبِيٌّ جَيِّدٌ، وَرُوِيَ بِالرَّفْعِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ بَعْدَ النَّفْيِ وَشِبْهِهِ (لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ) زَادَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ زِيَادَةً حَسَنَةً تُفِيدُ ارْتِبَاطَ ذِكْرِ النَّعْلَيْنِ بِمَا سَبَقَ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلْيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ (فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ) ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ لَكِنَّهُ لَمَّا شُرِعَ لِلتَّسْهِيلِ لَمْ يُنَاسِبِ التَّثْقِيلَ وَإِنَّمَا هُوَ لِلرُّخْصَةِ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ يُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ أَحَدٍ فِي الْإِثْبَاتِ خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِضَرُورَةِ الشِّعْرِ كَقَوْلِهِ:

وَقَدْ ظَهَرْتَ فَلَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ ... إِلَّا عَلَى أَحَدٍ لَا يَعْرِفُ الْقَمَرَا

قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ أَحَدًا لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِثْبَاتِ إِلَّا أَنْ يَعْقُبَهُ النَّفْيُ وَكَانَ الْإِثْبَاتُ حِينَئِذٍ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، وَنَظِيرُ هَذَا زِيَادَةُ الْبَاءِ فَإِنَّهَا إِنَّمَا تَكُونُ فِي النَّفْيِ، وَقَدْ زِيدَتْ فِي الْإِثْبَاتِ الَّذِي هُوَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [الأحقاف: ٣٣] (سُورَةُ الْأَحْقَافِ: الْآيَةُ ٣٣) ، ( «وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ» ) وَهُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ عِنْدَ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ، وَفِيهِ أَنَّ وَاجِدَ النَّعْلَيْنِ لَا يَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَأَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنْ صَارَا كَالنَّعْلَيْنِ جَازَ وَإِلَّا فَمَتَى سَتَرَا مِنْ ظَاهِرِ الرِّجْلِ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ إِلَّا لِلْفَاقِدِ، وَهُوَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ لِفَقْدِهِ أَوْ تَرْكِ بَذْلِ الْمَالِكِ لَهُ أَوْ عَجْزِهِ عَنِ الثَّمَنِ إِنْ وُجِدَ مَعَهُ، أَوْ عَنِ الْأُجْرَةِ وَلَوْ بِيعَ بِغَبْنٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهُ، أَوْ وُهِبَ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ إِلَّا إِنْ أُعِيرَ لَهُ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَى مَنْ لَبِسَهُمَا إِذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: تَجِبُ كَمَا إِذَا احْتَاجَ لِحَلْقِ رَأْسِهِ يَحْلِقُ وَيَفْتَدِي، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَبَيَّنَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَاجَةِ، وَأَيْضًا لَوْ وَجَبَتْ فَدِيَةٌ لَمْ يَكُنْ لِلْقَطْعِ فَائِدَةٌ لِأَنَّهَا تَجِبُ إِذَا لَبِسَهُمَا بِلَا قَطْعٍ فَإِنْ لَبِسَهُمَا مَعَ وُجُودِ نَعْلَيْنِ افْتَدَى عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا فِدْيَةَ، وَعَنِ الشَّافِعِيِّ الْقَوْلَانِ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ قَطْعَهُمَا شَرْطٌ فِي جَوَازِ لُبْسِهِمَا خِلَافًا لِلْمَشْهُورِ عَنْ أَحْمَدَ فِي إِجَازَةِ لُبْسِهِمَا بِلَا قَطْعٍ لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظِ: " «وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ» "، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يُوَافِقُ عَلَى حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيِّدِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بِهِ هُنَا فَإِنَّ حَمْلَهُ عَلَيْهِ جَيِّدٌ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَذَلِكَ زِيَادَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>