نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ) أَيْ قَرْنِ الْمَنَازِلِ لَا قَرْنِ الثَّعَالِبِ، (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: «أَمَّا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثُ فَسَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأُخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ» ) وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْهُ.
وَحَكَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ أَيُّ سَنَةٍ وَقَّتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْمَوَاقِيتَ؟ فَقَالَ: عَامَ حَجَّ.
وَفِي الْحَدِيثَيْنِ حُرْمَةُ مُجَاوَزَةِ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ لِمُرِيدِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ بِلَا إِحْرَامٍ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَالْجُمْهُورُ، وَقَالُوا عَلَيْهِ الدَّمُ لَكِنْ بِدَلِيلٍ آخَرَ.
وَذَهَبَ عَطَاءٌ وَالنَّخْعِيُّ إِلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَا يَصِحُّ حَجُّهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِلْمِيقَاتِ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ حَتَّى تَمَّ حَجُّهُ رَجَعَ لِلْمِيقَاتِ وَأَهَلَّ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذِهِ الْأَقَاوِيلُ الثَّلَاثَةُ شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ، فَلَوْ رَجَعَ لِلْمِيقَاتِ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالنُّسُكِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، قَالَ مَالِكٌ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يُبْعِدَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ بِشَرْطِ أَنْ يَعُودَ مُلَبِّيًا، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَسْقُطُ، وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِيقَاتُهُ.
فَأَمَّا كَمِصْرِيٍّ وَشَامِيٍّ أَرَادَ النُّسُكَ فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ فَمِيقَاتُهُ ذُو الْحُلَيْفَةِ لِاجْتِيَازِهِ عَلَيْهَا، وَلَا يُؤَخِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْجُحْفَةَ الَّتِي هِيَ مِيقَاتُهُ الْأَصْلِيُّ، فَإِنْ أَخَّرَ أَسَاءَ وَلَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ: بِلَا خِلَافٍ.
قَالَ الْأَبِيُّ وَالْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ وَالْحَافِظُ: لَعَلَّهُ أَرَادَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَإِلَّا فَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الشَّامِيَّ مَثَلًا إِذَا جَاوَزَ ذَا الْحُلَيْفَةِ بِلَا إِحْرَامٍ إِلَى مِيقَاتِهِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الْجُحْفَةُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ خِلَافُهُ، وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ كَذَا قَالُوا، وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِذَارُ مَعَ وُجُودِ قَوْلِ هَذَيْنِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، قَالَ عِيَاضٌ: فِيهِ رِفْقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمَّتِهِ فِي تَوْقِيتِ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ، فَجَعَلَ الْأَمْرَ لِأَهْلِ الْآفَاقِ بِالْقُرْبِ، وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَبْعَدَ الْمَوَاقِيتِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْآفَاقِ إِلَى مَكَّةَ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا فِي الْمَوَاقِيتِ حُجَّةٌ لَنَا أَنَّ أَقَلَّ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ سَفَرُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِأَنَّهُ أَقَلَّ مَقَادِيرَ الْمَوَاقِيتِ لِأَهْلِ الْآفَاقِ وَالْمُسَافِرِينَ حَتَّى يَمُرَّ بِهِمْ سَفَرٌ وَهُمْ مُحْرِمُونَ، وَذَلِكَ أَنَّ قَرْنَ أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَفِيهِ مُعْجِزَةٌ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَا تَضَمَّنَهُ تَوْقِيتُ الْجُحْفَةِ لِأَهْلِ الشَّامِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى فَتْحِهَا، وَأَنَّهَا تَصِيرُ دَارَ الْإِسْلَامِ تَحُجُّ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا، وَلَمْ تَكُنْ ذَلِكَ الْوَقْتَ فُتِحَتْ وَلَا شَيْءٌ مِنْهَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ تَابَعَ فِيهِ مَالِكًا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الِاعْتِصَامِ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ دِينَارٍ بِهِ وَزَادَ فَذَكَرَ: الْعِرَاقَ، فَقَالَ - أَيِ: ابْنُ عُمَرَ: لَمْ يَكُنْ عِرَاقٌ يَوْمَئِذٍ، وَلِأَحْمَدَ عَنْ صَدُقَةَ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: فَأَيْنَ الْعِرَاقُ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ عِرَاقٌ.
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: لَمْ يُوَقِّتْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ عِرْقٍ، وَلَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ أَهْلُ الْمَشْرِقِ، وَكَذَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، فَمِيقَاتُ ذَاتِ عِرْقٍ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أُجْمِعَ