عَلَيْهِ، وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ أَتَوْا عُمَرَ فَوَقَّتَ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ، وَصَحَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَجُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ.
وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: «وَمَهِلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ» إِلَّا أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي رَفْعِهِ لِأَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ: سَمِعْتُ أَحْسَبُهُ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: قَوْلُهُ أَحْسَبُهُ أَيْ أَظُنُّهُ، وَالظَّنُّ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ فَلَيْسَ ذَلِكَ قَادِحًا فِي رَفْعِهِ، وَأَيْضًا فَلَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِرَفْعِهِ لَا يَقِينًا وَلَا ظَنًّا فَهُوَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْمَرْفُوعِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ تَوْقِيفًا مِنَ الشَّارِعِ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ ضَمَّهُ جَابِرٌ إِلَى الْمَوَاقِيتِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ فَلَمْ يَشُكَّا فِي رَفْعِهِ.
وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو السَّهْمِيِّ قَالَا: " «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» "، قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا، فَلَعَلَّ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ لَمْ يَبْلُغْهُ، أَوْ رَأَى ضَعْفَ الْحَدِيثِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كُلَّ طَرِيقٍ مِنْهَا لَا تَخْلُو عَنْ مَقَالٍ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: رُوِيَ فِي ذَاتِ عِرْقٍ أَخْبَارٌ لَا يَثْبُتُ مِنْهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَمْ نَجِدْ فِيهَا حَدِيثًا ثَابِتًا لَكِنَّ الْحَدِيثَ بِمَجْمُوعِ الطُّرُقِ يَقْوَى كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا مَنْ أَعَلَّهُ بِأَنَّ الْعِرَاقَ لَمْ تَكُنْ فُتِحَتْ يَوْمَئِذٍ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هِيَ غَفْلَةٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ الْمَوَاقِيتَ لِأَهْلِ النَّوَاحِي قَبْلَ الْفُتُوحِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا سَتُفْتَحُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ.
وَبِهَذَا أَجَابَ الْمَاوَرْدَيُّ وَآخَرُونَ، لَكِنْ يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ ابْنِ عُمَرَ بِقَوْلِهِ: لَمْ يَكُنْ عِرَاقٌ يَوْمَئِذٍ، أَيْ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ نَاسٌ مُسْلِمُونَ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ رَوَى الْحَدِيثَ بِلَفْظِ: " «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيْنَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُهِلَّ؟ فَأَجَابَهُ: وَكُلُّ جِهَةٍ عَيَّنَهَا كَانَ مِنْ قِبَلِهَا نَاسٌ مُسْلِمُونَ بِخِلَافِ الْمَشْرِقِ» "، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ» "، فَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنْ كَانَ حَفِظَهُ فَقَدْ جُمِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ جَابِرٍ بِأَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ مِيقَاتُ الْوُجُوبِ، وَالْعَقِيقُ مِيقَاتُ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ، وَبِأَنَّ الْعَقِيقَ مِيقَاتُ بَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُمْ أَهْلُ الْمُدَايِنِ، وَالْعَقِيقُ مِيقَاتٌ لِأَهْلِ الْبَصْرَةِ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَبِأَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ الْعَقِيقِ الْآنَ ثُمَّ حُوِّلَتْ وَقَرُبَتْ إِلَى مَكَّةَ، فَعَلَى هَذَا فَذَاتُ عِرْقٍ وَالْعَقِيقُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَيَتَعَيَّنُ الْإِحْرَامُ مِنَ الْعَقِيقِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا قَالُوا يُسْتَحَبُّ احْتِيَاطًا، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِيقَاتٌ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ إِذَا حَاذَى مِيقَاتًا مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ مُحِيطَةٌ بِالْحَرَمِ، فَذُو الْحُلَيْفَةِ شَامِيَّةٌ، وَيَلَمْلَمُ يَمَانِيَّةٌ، فَهِيَ تُقَابِلُهُ وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute