للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: " «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ مُلَبِّيًا» يَقُولُ (لَبَّيْكَ) لَفْظٌ مُثَنَّى عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَقَالَ يُونُسُ: اسْمٌ مُفْرَدٌ وَأَلِفُهُ إِنَّمَا انْقَلَبَتْ يَاءً لِاتِّصَالِهَا بِالضَّمِيرِ كَلَدَيَّ وَعَلَيَّ وَرُدَّ بِأَنَّهَا قُلِبَتْ يَاءً مَعَ الْمُظْهَرِ.

وَعَنِ الْفَرَّاءِ نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ وَأَصْلُهُ لَبَّا لَكَ فَثُنِّيَ عَلَى التَّأْكِيدِ أَيْ إِلْبَابًا بَعْدَ إِلْبَابٍ، وَهَذِهِ التَّثْنِيَةُ لَيْسَتْ حَقِيقِيَّةٌ بَلْ لِلتَّكْثِيرِ أَوْ لِلْمُبَالَغَةِ وَمَعْنَاهُ إِجَابَةٌ بَعْدَ إِجَابَةٍ لَازِمَةٍ.

قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَمِثْلُهُ حَنَانَيْكَ أَيْ تَحَنُّنًا بَعْدَ تَحَنُّنٍ.

وَقِيلَ: مَعْنَى لَبَّيْكَ اتِّجَاهِي وَقَصْدِي إِلَيْكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ دَارِي تُلَبِّ دَارَكَ أَيْ تُجَاهَهَا، وَقِيلَ: مَحَبَّتِي لَكَ مِنْ قَوْلِهِمُ امْرَأَةٌ لَبَّةٌ أَيْ مُحِبَّةٌ، وَقِيلَ: إِخْلَاصِي لَكَ مِنْ قَوْلِهِمْ حَسَبٌ لُبَابٌ أَيْ خَالِصٌ، وَمِنْهُ لُبُّ الطَّعَامِ وَلُبَابُهُ، وَقِيلَ: أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ مِنْ لَبَّ الرَّجُلُ بِالْمَكَانِ أَقَامَ، وَقِيلَ: قُرْبًا مِنْكَ مِنَ الْإِلْبَابِ وَهُوَ الْقُرْبُ، وَقِيلَ: خَاضِعًا لَكَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ مُسْتَجِيبٌ لِدُعَائِهِ تَعَالَى إِيَّاهُ فِي حَجِّ بَيْتِهِ.

(اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ) أَيْ يَا اللَّهُ أَجَبْنَاكَ فِيمَا دَعَوْتَنَا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَعْنَى التَّلْبِيَةِ إِجَابَةُ دَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفَاسِيرِهِمْ بِأَسَانِيدَ قَوِيَّةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ، وَأَقْوَى مَا فِيهِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ قِيلَ لَهُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، قَالَ: يَا رَبِّ وَمَا يَبْلُغُ صَوْتِي؟ قَالَ: أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ، قَالَ: فَنَادَى إِبْرَاهِيمُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ فَسَمِعَهُ مَنْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَفَلَا تَرَوْنَ النَّاسَ يُجِيبُونَ مِنْ أَقْصَى الْأَرْضِ يُلَبُّونَ؟» وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ: " «فَأَجَابُوهُ بِالتَّلْبِيَةِ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ» "، وَأَوَّلُ مَنْ أَجَابَهُ أَهْلُ الْيَمَنِ فَلَيْسَ حَاجٌّ يَحُجُّ مِنْ يَوْمِئِذٍ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ إِلَّا مَنْ كَانَ أَجَابَ إِبْرَاهِيمَ يَوْمَئِذٍ.

قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: وَفِي مَشْرُوعِيَّةِ التَّلْبِيَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى إِكْرَامِ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ بِأَنَّ وُفُودَهُمْ عَلَى بَيْتِهِ إِنَّمَا كَانَ بِاسْتِدْعَاءٍ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، (لَبَّيْكَ) فِي ذِكْرِهِ ثَلَاثًا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ التَّأْكِيدَ اللَّفْظِيَّ لَا يُزَادُ فِيهِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْبُلَغَاءُ، وَأَمَّا تَكْرِيرُ {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: ١٣] (سُورَةُ الرَّحْمَنِ: الْآيَةُ ١٣) وَ {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: ١٥] (سُورَةُ الْمُرْسَلَاتِ: الْآيَةُ ١٥) فَلَيْسَ مِنَ التَّأْكِيدِ فِي شَيْءٍ.

( «لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ» ) رُوِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ اسْتِئْنَافٌ وَفَتْحِهَا تَعْلِيلٌ وَالْكَسْرُ أَجْوَدُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، قَالَ ثَعْلَبٌ: لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَمَعْنَى الْفَتْحِ لِهَذَا السَّبَبِ.

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَهِجَ الْعَامَّةُ بِالْفَتْحِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْمَعْنَى عِنْدِي وَاحِدٌ لِأَنَّ مَنْ فَتَحَ أَرَادَ لَبَّيْكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ لَكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَرُدَّ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ لَيْسَ فِي الْحَمْدِ بَلْ فِي التَّلْبِيَةِ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْكَسْرُ أَجْوَدُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِجَابَةَ مُطْلَقَةٌ غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ، وَأَنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لِلَّهِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>