للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كُلِّ حَالٍ، وَالْفَتْحُ يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيلِ كَأَنَّهُ قِيلَ: أَجَبْتُكَ لِهَذَا السَّبَبِ، وَالْأَوَّلُ أَعَمُّ فَهُوَ أَكْثَرُ فَائِدَةً.

وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ الْكَسْرَ وَهُوَ خِلَافٌ.

نَقَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اخْتَارَ الْفَتْحَ، وَأَبَا حَنِيفَةَ اخْتَارَ الْكَسْرَ، وَابْنُ قُدَامَةَ عَنْ أَحْمَدَ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ اخْتِيَارِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، لَكِنْ قَالَ فِي اللَّامِعِ وَالْعُدَّةِ أَنَّهُ إِذَا كُسِرَ صَارَ لِلتَّعْلِيلِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ اسْتِئْنَافٌ جَوَابًا عَنِ السُّؤَالِ عَنِ الْعِلَّةِ عَلَى مَا قَرَّرَ فِي الْبَيَانِ.

(وَالنِّعْمَةَ لَكَ) بِكَسْرِ النُّونِ، الْإِحْسَانُ وَالْمِنَّةِ مُطْلَقًا، وَبِالْفَتْحِ وَالتَّنْعِيمَ قَالَ تَعَالَى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ} [المزمل: ١١] (سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ: الْآيَةُ ١١) أَيِ التَّنَعُّمِ فِي الدُّنْيَا وَبِالنَّصْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ مُسْتَقِرَّةٌ لَكَ، وَجَوَّزَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ أَنَّ الْمَوْجُودَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَخَبَرُ إِنَّ هُوَ الْمَحْذُوفُ.

(وَالْمُلْكَ) بِالنَّصْبِ أَيْضًا عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ أَيْ كَذَلِكَ أَوْ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ.

قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: قَرَنَ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ وَأَفْرَدَ الْمُلْكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ مُتَعَلَّقُ النِّعْمَةِ وَلِهَذَا يُقَالُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا حَمْدَ إِلَّا لَكَ، وَأَمَّا الْمُلْكُ فَهُوَ مَعْنًى مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ ذُكِرَ لِتَحْقِيقِ أَنَّ النِّعْمَةَ كُلَّهَا لِلَّهِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْمُلْكِ، (لَا شَرِيكَ لَكَ) فِي مُلْكِكَ (قَالَ) نَافِعٌ: (وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَا) فَيَقُولُ: (لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَمَا فِي الْمَرْفُوعِ إِلَّا أَنَّ فِيهِ الْفَصْلَ بَيْنَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ، (وَسَعْدَيْكَ) قَالَ عِيَاضٌ: إِفْرَادُهَا وَتَثْنِيَتُهَا كَلَبَّيْكَ، وَمَعْنَاهُ سَاعَدْتُ طَاعَتَكَ مُسَاعَدَةً بَعْدَ مُسَاعَدَةٍ وَإِسْعَادًا بَعْدَ إِسْعَادٍ وَلِذَا ثَنَّى، وَهُوَ مِنَ الْمَصَادِرِ الْمَنْصُوبَةِ بِفِعْلٍ لَا يَظْهَرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ، قَالَ الْجِرْمِيُّ: لَمْ يُسْمَعْ سَعْدَيْكَ مُفْرَدًا، (وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ) أَيِ الْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدِ اللَّهِ وَمِنْ فَضْلِهِ أَيْ بِقُدْرَتِهِ وَكَرَمِهِ.

قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهَذَا مِنْ إِصْلَاحِ الْمُخَاطَبَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: ٨٠] (سُورَةُ الشُّعَرَاءِ: الْآيَةُ ٨٠) (لَبَّيْكَ وَالرُّغْبَى إِلَيْكَ) ، قَالَ الْمَازِرِيُّ: يُرْوَى بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمَدِّ وَبِضَمِّ الرَّاءِ مَعَ الْقَصْرِ، قَالَ: وَنَظِيرُهُ الْعَلْيَاءُ وَالْعُلْيَا وَالنَّعْمَاءُ وَالنُّعْمَى، قَالَ عِيَاضٌ: وَحَكَى أَبُو عَلِيٍّ فِيهِ أَيْضًا الْفَتْحَ مَعَ الْقَصْرِ مِثْلَ: سَكْرَى، وَمَعْنَاهَا الطَّلَبُ وَالْمَسْأَلَةُ إِلَى مَنْ بِيَدِهِ الْأَمْرُ وَالْمَقْصُودُ بِالْعَمَلِ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ.

(وَالْعَمَلُ) إِلَيْكَ أَيِ الْقَصْدُ بِهِ وَالِانْتِهَاءُ بِهِ إِلَيْكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَدَّرَ وَالْعَمَلُ لَكَ قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ.

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ زَادَ ابْنُ عُمَرَ فِي التَّلْبِيَةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا مَعَ أَنَّهُ كَانَ شَدِيدَ التَّحَرِّي لِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَفِي حَدِيثٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ سَالِمٍ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَيِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا، أَجَابَ الْأَبِيُّ بِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ لَيْسَتْ نَسْخًا، وَأَنَّ الشَّيْءَ وَحْدَهُ كَذَلِكَ هُوَ مَعَ غَيْرِهِ فَزِيَادَتُهُ لَا تَمْنَعُ مِنْ إِتْيَانِهِ بِتَلْبِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ فَهِمَ عَدَمَ الْقَصْرِ عَلَى أُولَئِكَ الْكَلِمَاتِ، وَأَنَّ الثَّوَابَ يَتَضَاعَفُ بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ، وَاقْتِصَارُ الْمُصْطَفَى بَيَانٌ لِأَقَلِّ مَا يَكْفِي.

وَأَجَابَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ خَلْطُ السُّنَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>