وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا قَالَ وَمَا هُنَّ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ رَأَيْتُكَ لَا تَمَسُّ مِنْ الْأَرْكَانِ إِلَّا الْيَمَانِيَّيْنِ وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا الْهِلَالَ وَلَمْ تُهْلِلْ أَنْتَ حَتَّى يَكُونَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَمَّا الْأَرْكَانُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّ إِلَّا الْيَمَانِيَّيْنِ وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا وَأَمَّا الْإِهْلَالُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ»
ــ
٧٤١ - ٧٣٤ - (مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ (بْنِ أَبِي سَعِيدٍ) كَيْسَانَ (الْمَقْبُرِيِّ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا (عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ) بِتَصْغِيرِهِمَا التَّيْمِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ، قَالَ الْحَافِظُ: وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ الْمَكِّيِّ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ نَسَبٌ فَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ هَذَا عَمُّهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَهَذَا مِنْ رِوَايَةِ الْأَقْرَانِ لِأَنَّ عُبَيْدًا وَسَعِيدًا تَابِعِيَّانِ مِنْ طَبَقَةٍ وَاحِدَةٍ، (أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) كُنْيَةُ ابْنِ عُمَرَ، (رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا) مِنَ الْخِصَالِ (لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ) أَيْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بَعْضُهُمْ (يَصْنَعُهَا) مُجْتَمِعَةً، وَإِنْ كَانَ يَصْنَعُ بَعْضَهَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ.
وَظَاهِرُ السِّيَاقِ انْفِرَادُ ابْنِ عُمَرَ بِمَا كَانَ ذَكَرَ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّنْ رَآهُمْ عُبَيْدٌ، (قَالَ: وَمَا هُنَّ يِابْنَ جُرَيْجٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ لَا تَمَسُّ مِنَ الْأَرْكَانِ) الْأَرْبَعَةِ لِلْكَعْبَةِ (إِلَّا) الرُّكْنَيْنِ (الْيَمَانِيَّيْنِ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ لِأَنَّ الْأَلْفَ بَدَلٌ مِنْ إِحْدَى يَائَيِ النَّسَبِ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ، وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ تَشْدِيدُهَا عَلَى أَنَّ الْأَلِفَ زَائِدَةٌ لَا بَدَلٌ وَالْمُرَادُ بِهِمَا الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ وَالرُّكْنُ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَهُوَ الْعِرَاقِيُّ لِأَنَّهُ إِلَى جِهَتِهِ تَغْلِيبًا، وَلَمْ يَقَعِ التَّغْلِيبُ بِاعْتِبَارِ الْأَسْوَدِ خَوْفَ الِاشْتِبَاهِ عَلَى جَاهِلٍ، وَلَمْ يَقَعْ بِاعْتِبَارِ الْعِرَاقِيَّيْنِ لِخِفَّةِ الْيَمَانِيَّيْنِ، وَالتَّخْفِيفُ مِنْ مُحَسِّنَاتِ التَّغْلِيبِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ ابْنِ عُمَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ رَآهُمْ عُبَيْدٌ كَانُوا يَسْتَلِمُونَ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَجَابِرٍ.
(وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ، (النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ فَفَوْقِيَّةٍ أَيِ الَّتِي لَا شَعَرَ فِيهَا مُشْتَقٌّ مِنَ السِّبْتِ وَهُوَ الْحَلْقُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ، أَوْ لِأَنَّهَا سُبِتَتْ بِالدِّبَاغِ أَيْ لَانَتْ، قَالَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ: السِّبْتُ كُلُّ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ، وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: جُلُودُ الْبَقَرِ مَدْبُوغَةً أَمْ لَا، أَوْ نَوْعٌ مِنَ الدِّبَاغِ يَقْلَعُ الشَّعَرَ، أَوْ جِلْدُ الْبَقَرِ الْمَدْبُوغُ بِالْقَرَظِ، وَقِيلَ: بِالسُّبْتِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ نَبْتٌ يُدْبَغُ بِهِ قَالَهُ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى.
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: هِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ: سُوقُ السِّبْتِ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: كَانَتْ سَوْدَاءَ لَا شَعَرَ فِيهَا، وَقِيلَ هِيَ الَّتِي لَا شَعَرَ عَلَيْهَا أَيَّ لَوْنٍ كَانَتْ، وَمِنْ أَيِّ جِلْدٍ كَانَتْ، وَبِأَيِّ دِبَاغٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute