إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي) - لَمْ يُسَمَّ أَيْضًا - (شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ) ، صِفَةٌ بَعْدَ صِفَةٍ، أَوْ مِنَ الْأَحْوَالِ الْمُتَدَاخِلَةِ، أَوْ شَيْخًا بَدَلٌ لِكَوْنِهِ مَوْصُوفًا، أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِأَنْ أَسْلَمَ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَحَصَلَ لَهُ الْمَالُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجُهُ، قَالَهُ الطِّيبِيُّ، (أَفَأَحُجُّ) أَيْ: أَيَصِحُّ أَنْ أَنُوبَ عَنْهُ، فَأَحُجَّ (عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ) ، أَيْ حُجِّي عَنْهُ، وَبِهِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ كَالشَّافِعِيِّ: تَجِبُ الِاسْتِنَابَةُ عَلَى الْعَاجِزِ عَنِ الْحَجِّ الْفَرْضِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَلَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّ قَوْلَهَا: إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ إِلَى آخِرِهِ، لَا يُوجِبُ دُخُولَ أَبِيهَا فِي هَذَا الْفَرْضِ، وَإِنَّمَا الظَّاهِرُ مِنَ الْحَدِيثِ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْ أَنَّ فَرْضَ الْحَجِّ بِالِاسْتِطَاعَةِ نَزَلَ وَأَبُوهَا غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ، فَسَأَلَتْ هَلْ يُبَاحُ لَهَا أَنْ تَحُجَّ عَنْهُ، وَيَكُونُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَجْرٌ، وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ: فَحُجِّي عَنْهُ، لِأَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ وَإِرْشَادٍ، وَرُخْصَةٌ لَهَا أَنْ تُعَلَّ لِمَا رَأَى مِنْ حِرْصِهَا عَلَى تَحْصِيلِ الْخَيْرِ لِأَبِيهَا.
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ خَاصٌّ بِهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧] (سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَةُ ٩٧) ، وَكَانَ أَبُوهَا مِمَّنْ لَا يَسْتَطِيعُ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْحَجُّ، فَكَانَتِ ابْنَتُهُ مَخْصُوصَةٌ بِذَلِكَ الْجَوَابِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ، مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ، قَالَ الْمَارِي لِلْآيَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الِاسْتِطَاعَةِ أَنَّهَا الْبَدَنِيَّةُ، إِذْ لَوْ كَانَتِ الْمَالِيَّةَ، لَقَالَ: أَحُجَّاجُ الْبَيْتِ، وَالْحَجُّ فَرْعٌ بَيْنَ أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَمَلٌ بِدُونِ صَرْفٍ كَالصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، فَلَا اسْتِنَابَةَ فِيهِ.
وَالثَّانِي: مَالُ صَرْفٍ كَالصَّدَقَةِ.
وَقَالَ عِيَاضٌ: الِاسْتِطَاعَةُ عِنْدَ مَالِكٍ هِيَ الْقُدْرَةُ وَلَوْ عَلَى رِجْلَيْهِ دُونَ مَشَقَّةٍ فَادِحَةٍ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ: هِيَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ، وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ، لَكِنْ ضَعَّفَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ، وَتَأْوِيلُهُ عِنْدَنَا: أَنَّهُ أَحَدُ أَنْوَاعِ الِاسْتِطَاعَةِ لَا كُلُّهَا، وَلَعَمْرِي إِنَّهُ بَيِّنٌ إِنْ صَحَّ، فَإِنْ كَانَتْ الِاسْتِطَاعَةُ هِيَ السَّبَبُ فَقَدْ تَضَمَّنَ الزَّادَ، وَالرَّاحِلَةَ، أَمْنَ الطَّرِيقِ، وَصِحَّةَ الْجِسْمِ.
(وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) ، وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، يَوْمَ النَّحْرِ.
وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَأَحْمَدَ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عِنْدَ الْمَنْحَرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الرَّمْيِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَالْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَشُعَيْبٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَأَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ سَبْعَتُهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute