الزُّبَيْرِ وَتَمَّ لَهُ مُلْكُ الْحِجَازِ، وَالْعِرَاقِ، وَخُرَاسَانَ، وَأَعْمَالِ الْمَشْرِقِ، وَبَايَعَ أَهْلُ الشَّامِ، وَمِصْرَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، فَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ حَتَّى مَاتَ مَرْوَانُ، وَوَلِيَ ابْنُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، فَمَنَعَ النَّاسَ الْحَجَّ خَوْفًا أَنْ يُبَايِعُوا ابْنَ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ بَعَثَ جَيْشًا أَمَّرَ عَلَيْهِ الْحَجَّاجَ، فَقَاتَلَ أَهْلَ مَكَّةَ، وَحَاصَرَهُمْ حَتَّى غَلَبَهُمْ، وَقَتَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَصَلَبَهُ، وَذَلِكَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ ذَلِكَ جَوَابًا لِقَوْلِ وَلَدَيْهِ: عُبَيْدُ اللَّهِ، وَسَالِمٌ: لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَحُجَّ الْعَامَ إِنَّا نَخَافُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ نَافِعٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١] (سُورَةُ الْأَحْزَابِ: الْآيَةُ ٢١) .
(إِنْ صُدِدْتُ) - بِضَمِّ الصَّادِ - مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ مُنِعْتُ (عَنِ الْبَيْتِ صَنَعْنَا) أَنَا، وَمَنْ مَعِي (كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) مِنَ التَّحَلُّلِ حَيْثُ مَنَعُوهُ مِنْ دُخُولِ مَكَّةَ بِالْحُدَيْبِيَةِ.
وَفِي رِوَايَةِ تَأْخِيرِ تِلَاوَةِ الْآيَةِ إِلَى هُنَا، قَالَ عِيَاضٌ: تَوَقَّعَ الْحَصْرَ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْهُ إِذْ لَوْ تَحَقَّقَهُ، لَمْ تَثْبُتْ لَهُ رُخْصَةُ الْحَصْرِ، لِأَنَّهُ غَرَّرَ بِإِحْرَامِهِ، بِالْإِجْمَاعِ، وَتَعَقَّبَهُ الْأَبِّيُّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحَقُّقِهِ أَنْ لَا يَتَرَخَّصَ؛ لِجَوَازِ أَنَّهُ تَحَقَّقَ وَاشْتَرَطَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ضُبَاعَةَ، (فَأَهَلَّ) ابْنُ عُمَرَ (بِعُمْرَةٍ) زَادَ فِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ: مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ مِنَ الدَّارِ، أَيِ الْمَنْزِلِ الَّذِي نَزَلَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، أَوِ الْمُرَادُ دَارَهُ بِالْمَدِينَةِ، فَيَكُونُ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ مِنْ دَاخِلِ بَيْتِهِ، ثُمَّ أَظْهَرَهَا بَعْدَ أَنِ اسْتَقَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ (مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ) سَنَةَ سِتٍّ، لِيَحْصُلَ لَهُ الْمُوَافَقَةُ، (ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ، فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا) ، أَيِ الْحَجُّ، وَالْعُمْرَةُ، (إِلَّا وَاحِدٌ) فِي حُكْمِ الْحَصْرِ، فَإِذَا جَازَ التَّحَلُّلُ فِي الْعُمْرَةِ مَعَ أَنَّهَا مَحْدُودَةٌ بِوَقْتٍ، فَهُوَ فِي الْحَجِّ أَجْوَزُ، وَفِيهِ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ، (ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ) ، فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ نَظَرُهُ، (فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ) - بِالرَّفْعِ - وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ: " ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ إِلَّا وَاحِدٌ "، (أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ) ، وَعَبَّرَ بَأُشْهِدُكُمْ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِالنِّيَّةِ، لِيَعْلَمَ مَنِ اقْتَدَى بِهِ أَنَّهُ انْتَقَلَ نَظَرُهُ لِلْقِرَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي حُكْمِ الْحَصْرِ، (ثُمَّ نَفَذَ) - بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ - مَضَى وَلَمْ يُصَدَّ، (حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ، فَطَافَ طَوَافًا وَاحِدًا) لِقِرَانِهِ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَالْجُمْهُورُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْكُوفِيُّونَ عَلَى الْقَارِنِ طَوَافَانِ، وَسَعْيَانِ، وَأَوَّلُوا قَوْلَهُ: طَوَافًا وَاحِدًا عَلَى أَنَّهُ طَافَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا طَوَافًا يُشْبِهُ الطَّوَافَ الَّذِي لِلْآخَرِ وَلَا يَخْفَى مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute