فِيهِ وَرَدَّهُ قَوْلُهُ (وَرَأَى ذَلِكَ مُجْزِيًا) - بِضَمِّ الْمِيمِ، وَسُكُونِ الْجِيمِ، وَكَسْرِ الزَّايِ بِلَا هَمْزٍ - كَافِيًا (عَنْهُ) ، إِذْ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ يَضِيعُ، إِذْ كُلُّ مَنْ طَافَ طَوَافَيْنِ لَا يُقَالُ إِنَّهُ مَجْزِيٌّ، وَيُمْنَعُ التَّأْوِيلُ عَلَى بُعْدِهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ، كَفَاهُ لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ، وَسَعْيٌ وَاحِدٌ» "، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْمُرَادِ.
(وَأَهْدَى) - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - فِعْلٌ مَاضٍ مِنَ الْإِهْدَاءِ زَادَ الْقَعْنَبِيُّ شَاةً، وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ: هَدْيًا اشْتَرَاهُ بِقَدِيدٍ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَوْلُهُ مُجْزِيًا بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ رَأَى، وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِيًا بِزِيَادَةِ أَنَّ، وَالنَّصْبُ عَلَى أَنَّهَا تَنْصِبُ الْجُزْأَيْنِ، أَوْ خَبَرُ كَانَ مَحْذُوفَةً، وَلِبَعْضِ رُوَاتِهِ مُجْزِئٌ - بِالرَّفْعِ، وَالْهَمْزِ - خَبَرُ أَنَّ، قَالَ الْحَافِظُ: وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّ النَّصْبَ خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ، فَإِنَّ أَصْحَابَ الْمُوَطَّأِ اتَّفَقُوا عَلَى رِوَايَتِهِ بِالرَّفْعِ عَلَى الصَّوَابِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ حِكَايَتَهُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى ذَلِكَ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ، وَبِتَقْدِيرِ اتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ النَّصْبَ خَطَأٌ، مَعَ أَنَّ لَهُ وَجْهًا فِي الْعَرَبِيَّةِ، انْتَهَى.
وَلَعَلَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى، وَمَنْ وَافَقَهُ، فَلَيْسَ فِيهَا أَنَّ، فَنَصْبُ مُجْزِيًا مُتَعَيَّنٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بِتَمَامِهِ، وَقَبْلَهُ بِقَلِيلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ مُخْتَصَرًا بِدُونِ قَوْلِهِ، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ نَظَرَ إِلَى آخِرِهِ، وَفِي الْمَغَازِي عَنْ قُتَيْبَةَ مُخْتَصَرًا كَذَلِكَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، تَامًّا الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ، وَتَابَعَهُ أَيُّوبُ وَاللَّيْثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَجُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ بِنَحْوِهِ، (قَالَ مَالِكٌ: فَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ) ، يَفْعَلُ (كَمَا أُحْصِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ) ، أَيْ كَفِعْلِهِ مِنَ التَّحَلُّلِ، وَنَحْرِ هَدْيِهِ، وَلَا قَضَاءَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ١٩٦) ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءً، وَقَدْ تَخَلَّفَ جَمَاعَةٌ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحُدَيْبِيَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ فِي نَفْسٍ، وَلَا مَالٍ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمُ الْمُصْطَفَى بِعَدَمِ التَّخَلُّفِ، وَلَا بِالْقَضَاءِ، (فَأَمَّا مَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ) كَمَرَضٍ، (فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ دُونَ الْبَيْتِ) ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَجَمَاعَةٌ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، كَكَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَغَيْرِهِمْ فِي أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ حَابِسٍ مِنْ عَدُوٍّ وَمَرَضٍ، وَغَيْرِهِمَا، حَتَّى أَفْتَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَجُلًا لُدِغَ أَنَّهُ مُحْصَرٌ، رَوَاهُ ابْنُ حَزْمٍ وَالطَّحَاوِيُّ لَنَا أَنَّ الْآيَةَ وَرَدَتْ فِي حُكْمِ إِحْصَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ، وَكَانَ بِالْعَدُوِّ، وَقَالَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ: " إِذَا أَمِنْتُمْ " فَعُلِمَ أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْإِحْلَالِ فِي الْعَدُوِّ كَانَ لِتَحْصِيلِ الْأَمْنِ مِنْهُ، وَالْإِحْلَالُ لَا يَجُوزُ مِنَ الْمَرَضِ، فَلَا يَكُونُ الْإِحْصَارُ بِالْمَرَضِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute