- (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ (عَنِ الْأَعْرَجِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا) ، قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ بَعْدَ طُولِ الْبَحْثِ، (يَسُوقُ بَدَنَةً) زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ: مُقَلَّدَةٌ، وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: مُقَلَّدَةٌ نَعْلًا، وَالْبَدَنَةُ تَقَعُ عَلَى الْجَمَلِ، وَالنَّاقَةِ وَالْبَقَرَةِ، وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهَا فِيمَا كَانَ هَدْيًا.
وَفِي الْبُخَارِيِّ: قَالَ مُجَاهِدٌ: سُمِّيَتِ الْبُدْنَ بِبَدَنِهَا، بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَالْمُهْمَلَةِ لِلْأَكْثَرِ، وَبِضَمِّهَا، وَسُكُونِ الدَّالِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: لِبَدَانَتِهَا، أَيْ سِمَنِهَا.
وَلِعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: إِنَّمَا سَمِّيَتِ الْبُدْنَ مِنْ قِبَلِ السِّمَانَةِ، (فَقَالَ: ارْكَبْهَا) لِضَرُورَتِكَ، فَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ وَقَدْ أُجْهِدَ، فَقَالَ لَهُ: ارْكَبْهَا» .
(فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا بَدَنَةٌ) ، أَيْ: هَدْيٌّ، (فَقَالَ: ارْكَبْهَا وَيْلَكَ فِي الثَّانِيَةِ، أَوِ الثَّالِثَةِ) بِالشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي، وَفِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " وَيْلَكَ ارْكَبْهَا وَيْلَكَ ارْكَبْهَا " وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَالثَّوْرِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عِجْلَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " «ارْكَبْهَا وَيْحَكَ قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: ارْكَبْهَا وَيْحَكَ» "، زَادَ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّعْلُ فِي عُنُقِهَا» "، وَهَذِهِ الطُّرُقُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ أَطْلَقَ الْبَدَنَةَ عَلَى الْوَاحِدَةِ مِنَ الْإِبِلِ الْمُهْدَاةِ إِلَى الْبَيْتِ، إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَدْلُولَهَا اللُّغَوِيَّ لَمْ يَحْسُنِ الْجَوَابُ بِأَنَّهَا بَدَنَةٌ لَأَنَّ كَوْنَهَا مِنَ الْإِبِلِ مَعْلُومٌ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّجُلَ ظَنَّ أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ كَوْنُهَا هَدْيًا، فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ، وَالْحَقُّ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَخْفَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهَا كَانَتْ مُقَلَّدَةً، وَلِذَا قَالَ لَمَّا زَادَ فِي مُرَاجَعَتِهِ: وَيْلَكَ تَأْدِيبًا لِمُرَاجَعَتِهِ مَعَ عَدَمِ خَفَاءِ الْحَالِ عَلَيْهِ، وَبِهِ جَزْمُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَبَالَغَ فَقَالَ: الْوَيْلُ لِمَنْ رَاجَعَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا، وَلَوْلَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَطَ عَلَى رَبِّهِ مَا اشْتَرَطَ لَهَلَكَ الرَّجُلُ لَا مَحَالَةَ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَهِمَ عَنْهُ تَرْكَ رُكُوبِهَا عَلَى عَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي السَّائِبَةِ، وَغَيْرِهَا، فَزَجَرَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَعَلَى الْحَالَتَيْنِ فَهِيَ دُعَاءٌ، وَرَجَّحَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ قَالُوا: وَالْأَمْرُ هُنَا وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ لِلْإِرْشَادِ; لَكِنَّهُ اسْتَحَقَّ الذَّمَّ لِتَوَقُّفِهِ عَنِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مَا تَرَكَ الِامْتِثَالَ عِنَادًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ غُرْمٌ بِرُكُوبِهَا، أَوْ إِثْمٌ، وَأَنَّ الْإِذْنَ بِرُكُوبِهَا إِنَّمَا هُوَ لِلشَّفَقَةِ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَغْلَظَ لَهُ بَادَرَ إِلَى الِامْتِثَالِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ أَشْرَفَ عَلَى هَلَكَةٍ مِنَ الْجُهْدِ، وَوَيْلٌ يُقَالُ لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ، فَالْمَعْنَى أَشْرَفَتْ عَلَى الْهَلَكَةِ فَارْكَبْ، فَعَلَى هَذَا هِيَ إِخْبَارٌ، وَقِيلَ: هِيَ كَلِمَةٌ تُدَعِّمُ بِهَا الْعَرَبُ كَلَامَهَا، وَلَا تَقْصِدُ مَعْنَاهَا كَقَوْلِهِمْ: لَا أُمَّ لَكَ، وَيُقَوِّيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute