بِلَفْظِ وَيْحَكَ بَدَلَ وَيْلَكَ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: وَيْلَكَ لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ يَسْتَحِقُّهَا، وَوَيْحٌ لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ تَكْرِيرُ الْفَتْوَى، وَالنَّدْبُ إِلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ، وَزَجْرُ مَنْ لَمْ يُبَادِرْ، وَتَوْبِيخُهُ، وَجَوَازُ مُسَايَرَةِ الْكِبَارِ فِي السَّفَرِ، وَأَنَّ الْكَبِيرَ إِذَا رَأَى مَصْلَحَةً لِلصَّغِيرِ لَا يَأْنَفُ عَنْ إِرْشَادِهِ إِلَيْهَا، وَاحْتَجَّ بِإِطْلَاقِهِ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} [الحج: ٣٣] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ ٣٣) ، مَنْ أَجَازَ رُكُوبَ الْهَدْيِ اخْتِيَارًا حَيْثُ لَا يَضُرُّهَا.
وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ، وَكَرِهَهُ الْجُمْهُورُ، وَمَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ، مَرْفُوعًا: " «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا» "، قَالَ الْمَازِرِيُّ: لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ وَالْمُقَيَّدُ يَقْضِي عَلَى الْمُطْلَقِ، وَلِأَنَّهُ شَيْءٌ خَرَجَ عَنْهُ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ، وَلَوْ أُبِيحَ النَّفْعُ بِلَا ضَرُورَةٍ أُبِيحَ إِجَارَتُهُ، وَلَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ، ثُمَّ إِذَا رَكِبَ لِلْعُذْرِ لَا يَلْزَمُهُ النُّزُولُ بَعْدَ الرَّاحَةِ اسْتِصْحَابًا لِإِبَاحَةِ الرُّكُوبِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَعَنْهُ أَيْضًا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى وُجُودِ غَيْرِهَا، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ: يَجِبُ رُكُوبُهَا تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَلِمُخَالَفَةِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ.
وَرَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ الَّذِينَ سَاقُوا الْهَدْيَ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا كَثِيرًا، وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِذَلِكَ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ: " «أَنَّ عَلِيًّا سُئِلَ هَلْ يَرْكَبُ الرَّجُلُ هَدْيَهُ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ قَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمُرُّ بِالرِّجَالِ يَمْشُونَ، فَيَأْمُرُهُمْ يَرْكَبُونَ هَدْيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» "، إِسْنَادُهُ صَالِحٌ، وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: " «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ بِالْبَدَنَةِ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهَا سَيِّدُهَا أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا وَيَرْكَبَهَا غَيْرُ مُنْهِكِهَا» " قُلْتُ: هَذَا الْمُرْسَلُ مُقَيَّدٌ بِالْحَاجَةِ، وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ حَدِيثُ عَلِيٍّ، فَلَا يُرَدُّ عَلَى أَبِي عُمَرَ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَدْيِ التَّطَوُّعِ، وَالْوَاجِبِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَفْصِلْ صَاحِبَ الْبَدَنَةِ عَنْ ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ الْأَرْبَعَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابِعِهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute