بِدَلِيلِ أَنَّهُ (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: ١٨٧] أَيْ جِمَاعِهِنَّ بِلَا شَكٍّ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا الرَّفَثُ فِي آيَةِ الْحَجِّ، وَقِيلَ: إِنَّهُ الْفُحْشُ فِي الْكَلَامِ، وَقِيلَ: التَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْجِمَاعِ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: هِيَ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَا يُرِيدُهُ الرَّجُلُ مِنَ الْمَرْأَةِ، وَخَصَّهُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِمَا خُوطِبَ بِهِ النِّسَاءُ، قَالَ عِيَاضٌ: يَعْنِي مَنْ ذَكَرَ الْجِمَاعَ، وَمَا يُوَصِّلُ إِلَيْهِ لَا كُلَّ كَلَامٍ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: رَوَى ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: الرَّفَثُ: إِتْيَانُ النِّسَاءِ، وَالتَّكَلُّمُ بِذَلِكَ، وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ.
(قَالَ: وَالْفُسُوقُ: الذَّبْحُ لِلْأَنْصَابِ) جَمْعُ نُصُبٍ - بِضَمَّتَيْنِ - حِجَارَةٌ تُنْصَبُ، وَتُعْبَدُ (وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: ١٤٥] فَسَمَّى ذَلِكَ فِسْقًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ فِي الْحَجِّ.
وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: الْفُسُوقُ: الْمَعَاصِي فِي الْحَرَمِ، وَلِذَا قِيلَ الْمُرَادُ: مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ التَّرْكُ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَالْعِصْيَانُ، وَالْخُرُوجُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، وَالْفُجُورُ.
قَالَ الْبَاجِيُّ: إِنَّمَا خَصَّ مَالِكٌ الْفُسُوقَ بِمَا ذُكِرَ، لِأَنَّ الْحَجَّ شُرِعَ فِيهِ الذَّبْحُ، فَخُصَّ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ نُهِيَ عَنِ الْمَعَاصِي جُمْلَةً، وَلَا يَمْتَنِعُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْعُمُومِ فِي الْحَجِّ، وَغَيْرُهُ لَكِنَّهُ يَتَأَكَّدُ فِي الْحَجِّ.
(قَالَ: وَالْجِدَالُ فِي الْحَجِّ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَقِفُ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ، وَقِيلَ: بِكَسْرِهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَّهُ أَكْثَرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَذَكَرَ الْقَعْنَبِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا أَحَدٌ، وَذَكَرَ الْهُذَلِيُّ أَنَّ أَبَا السَّمَّاكِ قَرَأَ بِالْكَسْرِ - جَبَلٌ (بِالْمُزْدَلِفَةِ بِقَزَحٍ) - بِفَتْحِ الْقَافِ، وَفَتْحِ الزَّايِ، وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَقِيلَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ: كُلُّ الْمُزْدَلِفَةِ، وَقِيلَ: هُوَ مَا بَيْنَ الْمُزْدَلِفَةِ وَمَأْزِمَيْ عَرَفَاتٍ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْلَمٌ لِلْعِبَادَةِ، وَمَوْضِعٌ لَهَا، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الشَّعَائِرُ الْمَعَالِمُ الَّتِي نَدَبَ اللَّهُ إِلَيْهَا، وَأَمَرَ بِالْقِيَامِ عَلَيْهَا.
(وَكَانَتِ الْعَرَبُ، وَغَيْرُهُمْ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ) عَلَى أَصْلِ شَرْعِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَمَّا قُرَيْشٌ فَقَالَ سُفْيَانُ: كَانَ الشَّيْطَانُ قَدِ اسْتَهْوَاهُمْ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ إِنْ عَظَّمْتُمْ غَيْرَ حَرَمِكُمُ اسْتَخَفَّ النَّاسُ بِحَرَمِكُمْ، فَكَانَتْ قُرَيْشٌ لَا تُجَاوِزُ الْحَرَمَ، وَتَقُولُ: نَحْنُ أَهْلُ اللَّهِ لَا نَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ، وَكَانَ سَائِرُ النَّاسِ يَقِفُ بِعَرَفَةَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: ١٩٩] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ١٩٩) ، رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: عَنْ عَائِشَةَ: كَانَتْ قُرَيْشٌ، وَمَنْ دَانَ بِدِينِهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الْحُمْسَ، وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتَ، فَيَقِفُ بِهَا، ثُمَّ يَفِيضُ مِنْهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: ١٩٩] وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ رَاهَوَيْهِ، وَابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: " «كَانَتْ قُرَيْشٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute