للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْفَتْحِ لَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ مَرَّةً وَاحِدَةً عَامَ الْفَتْحِ، ثُمَّ حَجَّ فَلَمْ يَدْخُلْهَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنَّهُ دَخَلَهَا عَامَ الْفَتْحِ مَرَّتَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالْوَحْدَةِ فِي خَبَرِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَحْدَةُ السَّفَرِ لَا الدُّخُولِ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفَةٍ مَا يَشْهَدُ لِهَذَا الْجَمْعِ، لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ هُوَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِمُ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا، وَهُوَ قَرِيرُ الْعَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ وَهُوَ حَزِينٌ، فَقَالَ: دَخَلْتُ الْكَعْبَةَ فَأَخَافُ أَنْ أَكُونَ شَقَقْتُ عَلَى أُمَّتِي» ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، لِأَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ فِي الْفَتْحِ، وَلَا فِي عُمْرَتِهِ، وَبِهِ جَزَمَ الْبَيْهَقِيُّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَ لَهَا ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنَ الْفَتْحِ، فَلَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ.

وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي النَّفْلِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْعُ الْفَرْضِ دَاخِلَهَا لِلْأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِهَا خُصَّ مِنْهُ النَّفْلُ بِالسُّنَّةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ الْفَرْضُ، وَقَيَّدَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ النَّفْلَ بِغَيْرِ الرَّوَاتِبِ وَمَا يُطْلَبُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، وَأَلْحَقَ الْجُمْهُورُ بِهِ الْفَرْضَ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الِاسْتِقْبَالِ لِلْمُقِيمِ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ دَاخِلَهَا مُطْلَقًا، وَعَلَّلَهُ بِلُزُومِ اسْتِدْبَارِ بَعْضِهَا، وَقَدْ أَمَرَ بِاسْتِقْبَالِهَا، فَيُحْمَلُ اسْتِقْبَالُ جَمِيعِهَا، وَقَالَ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالظَّاهِرِيَّةُ وَابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ مَنْعُ صَلَاةِ الْفَرْضِ دَاخِلَهَا، وَوُجُوبُ الْإِعَادَةِ.

وَعَنِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْإِجْزَاءُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَأَنَّ الْأَشْهَرَ أَنْ يُعِيدَ فِي الْوَقْتِ.

وَعَنِ ابْنِ حَبِيبٍ: يُعِيدُ أَبَدًا، وَعَنْ أَصْبَغَ: إِنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا.

قَالَ الْحَافِظُ: وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ أَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ إِنْ لَمْ يَرْجُ جَمَاعَةً أَفْضَلَ مِنْهَا خَارِجَهَا مُشْكِلٌ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ خَارِجَهَا مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهَا بِخِلَافِ دَاخِلِهَا، فَكَيْفَ يَكُونُ الْمُخْتَلَفُ فِي صِحَّتِهِ أَفْضَلَ مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ؟ وَفِيهِ رِوَايَةُ الصَّحَابِيِّ وَسُؤَالُ الْمَفْضُولِ وَالِاكْتِفَاءُ بِهِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ وَالْحُجَّةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَلَا يُقَالُ هُوَ أَيْضًا خَبَرٌ وَاحِدٌ، فَكَيْفَ يُحْتَجُّ لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؟ لِأَنَّا نَقُولُ: هُوَ فَرْدٌ يَنْضَمُّ إِلَى نَظَائِرَ مِثْلِهِ تُوجِبُ الْعِلْمَ بِذَلِكَ، وَاخْتِصَاصُ السَّابِقِ بِالْبُقْعَةِ الْفَاصِلَةِ وَالسُّؤَالِ عَنِ الْعِلْمِ وَالْحِرْصِ فِيهِ، وَفُضِّلَ ابْنُ عُمَرَ لِحِرْصِهِ عَلَى تَتَبُّعِ آثَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَعْمَلَ بِهَا، وَأَنَّ الْفَاضِلَ مِنَ الصَّحَابَةِ قَدْ كَانَ يَغِيبُ فِي بَعْضِ الْمَشَاهِدِ الْفَاضِلَةِ، وَيَحْضُرُهُ مَنْ هُوَ دُونَهُ فَيَطَّلِعُ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْعُمَرَيْنِ وَغَيْرَهُمَا مِمَّنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ بِلَالٍ وَمَنْ مَعَهُ لَمْ يُشَارِكُوهُمْ فِي ذَلِكَ، وَجَوَازُ الصَّلَاةِ بَيْنَ السَّوَارِي، لَكِنْ رَوَى الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ: " «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الصَّلَاةِ بَيْنَ السَّوَارِي» " فَدَلَّ فِعْلُهُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِلْكَرَاهَةِ، وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْأَبْوَابِ وَالْغَلْقِ لِلْمَسَاجِدِ، وَأَنَّ السُّتْرَةَ إِنَّمَا تُشْرَعُ حَيْثُ يُخْشَى الْمُرُورُ لِصَلَاتِهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، وَلَمْ يُصَلِّ إِلَى أَحَدِهِمَا، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ اكْتِفَاءً بِقُرْبِهِ مِنَ الْجِدَارِ كَمَا مَرَّ أَنَّ بَيْنَ مُصَلَّاهُ وَالْجِدَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>