للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَيْضًا بِاخْتِصَارٍ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ ابْنُ عُمَرَ، فَقَدْ جَاءَ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ: " «فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلْتُ مَنْ كَانَ مَعَهُ، فَقَالُوا: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ السَّارِيَةِ الْوُسْطَى» " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

وَمِنْ حَدِيثِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: " «لَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْعَمُودِ» " أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، هَذَا وَفِي مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ صَلَّى فِي قِبَلِ الْبَيْتِ، وَقَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ " وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «لَمَّا دَخَلَ الْبَيْتُ كَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ، وَلَمْ يُصَلِّ» "، وَلَمْ يَقُلْ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ، وَإِنَّمَا أَسْنَدَهُ قُتَيْبَةُ تَارَةً لِأُسَامَةَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ، وَتَارَةً لِأَخِيهِ الْفَضْلِ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ أَنَّ الْفَضْلَ كَانَ مَعَهُمْ إِلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنِ الْفَضْلَ تَلَقَّاهُ عَنْ أُسَامَةَ.

وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أُسَامَةَ إِثْبَاتَ صِلَاتِهِ فِيهَا، فَتَعَارَضَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أُسَامَةَ، وَتَرَجَّحَتْ رِوَايَةُ بِلَالٍ لِأَنَّهُ مُثْبِتٌ وَأُسَامَةُ نَافٍ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِي الْإِثْبَاتِ، وَاخْتُلِفَ عَلَى مَنْ نَفَى، وَجَمَعَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ بَيْنَ إِثْبَاتِ بِلَالٍ وَنَفْيِ أُسَامَةَ بِأَنَّهُمْ لَمَّا دَخَلُوا الْكَعْبَةَ، وَاشْتَغَلُوا بِالدُّعَاءِ، فَرَأَى أُسَامَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو فَاشْتَغَلَ أُسَامَةُ بِالدُّعَاءِ فِي نَاحِيَةٍ وَالْمُصْطَفَى فِي نَاحِيَةٍ، ثُمَّ صَلَّى فَرَآهُ بِلَالٌ لِقُرْبِهِ مِنْهُ، وَلَمْ يَرَهُ أُسَامَةُ لِبُعْدِهِ وَاشْتِغَالِهِ، وَلِأَنَّ بِإِغْلَاقِ الْبَابِ تَكُونُ الظُّلْمَةُ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَحْجُبَهُ بَعْضُ الْأَعْمِدَةِ، فَنَفَاهَا عَمَلًا بِظَنِّهِ.

وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيِّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ أُسَامَةَ غَابَ بَعْدَ دُخُولِهِ لِحَاجَةٍ، فَلَمْ يَشْهَدْ صَلَاتَهُ، انْتَهَى.

وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أُسَامَةَ قَالَ: " «دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكَعْبَةِ، فَرَأَى صُوَرًا فَدَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَجَعَلَ يَمْحُوهَا وَيَقُولُ: قَاتَلَ اللَّهُ قَوْمًا يُصَوِّرُونَ مَا لَا يَخْلُقُونَ» "، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَلَعَلَّهُ اسْتَصْحَبَ النَّفْيَ لِسُرْعَةِ عَوْدِهِ.

قَالَ: وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْإِثْبَاتِ عَلَى التَّطَوُّعِ، وَالنَّفْيِ عَلَى الْفَرْضِ.

وَجَمَعَ غَيْرُهُ بِحَمْلِ الصَّلَاةِ الْمُثْبَتَةِ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ، وَالْمَنْفِيَّةِ عَلَى الشَّرْعِيَّةِ، وَرُدَّ بِأَنَّ كَوْنَهَا رَكْعَتَيْنِ صَرِيحٌ فِي الشَّرْعِيَّةِ.

وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ دَخَلَ الْبَيْتَ مَرَّتَيْنِ صَلَّى فِي إِحْدَاهُمَا، وَلَمْ يُصَلِّ فِي الْأُخْرَى، وَقَدْ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ أُصَلِّي فِي الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: كَمَا تُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ، تُسَبِّحُ وَتُكَبِّرُ، وَلَا تَرْكَعُ وَلَا تَسْجُدُ، ثُمَّ عِنْدَ أَرْكَانِ الْبَيْتِ سَبِّحْ وَكَبِّرْ وَتَضَرَّعْ وَاسْتَغْفِرْ، وَلَا تَرْكَعْ وَلَا تَسْجُدْ.

وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: الْأَشْبَهُ عِنْدِي فِي الْجَمْعِ أَنْ يُجْعَلَ الْخَبَرَانِ فِي وَقْتَيْنِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْكَعْبَةَ فِي الْفَتْحِ صَلَّى فِيهَا، عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ عَنْ بِلَالٍ، وَنَفَى ابْنُ عَبَّاسٍ الصَّلَاةَ فِيهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، لِأَنَّهُ نَفَاهَا، وَأَسْنَدَهُ إِلَى أُسَامَةَ، وَابْنُ عُمَرَ أَثْبَتَهَا وَأَسْنَدَهُ إِلَى بِلَالٍ وَإِلَى أُسَامَةَ أَيْضًا، فَبَطَلَ التَّعَارُضُ، وَهَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ، لَكِنْ تَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْكَعْبَةَ يَوْمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>