لِقَوْلِ الْعُلَمَاءِ وَيَسِيرُ إِلَى رَأْيِهِمْ، وَمُدَاخَلَةُ الْعُلَمَاءِ السَّلَاطِينَ وَأَنَّهُ لَا نَقِيصَةَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، وَفَتْوَى التِّلْمِيذِ بِحَضْرَةِ مُعَلِّمِهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ، وَابْتِدَاءُ الْعَالِمِ بِالْفَتْوَى قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ، قَالَهُ الْمُهَلَّبُ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنَيِّرِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ إِنَّمَا ابْتَدَأَ بِذَلِكَ لِمَسْأَلَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ كَمَا كَتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ، وَفِيهِ طَلَبُ الْعُلُوِّ لِتَشَوُّفِ الْحَجَّاجِ إِلَى مَا أَخْبَرَهُ بِهِ سَالِمٌ مِنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ، وَتَعْلِيمُ الْفَاجِرِ السُّنَنِ لِمَنْفَعَةِ النَّاسِ، وَاحْتِمَالُ الْمَفْسَدَةِ الْخَفِيفَةِ لِتَحْصِيلِ الْمُصْلَحَةِ الْكَثِيرَةِ، يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ مُضِيِّ ابْنِ عُمَرَ إِلَى الْحَجَّاجِ وَتَعْلِيمِهِ، وَفِيهِ الْحِرْصُ عَلَى نَشْرِ الْعِلْمِ لِانْتِفَاعِ النَّاسِ بِهِ، وَصِحَّةُ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ، وَأَنَّ التَّوَجُّهَ إِلَى مَسْجِدِ عَرَفَةَ حِينَ الزَّوَالِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ سُنَّةٌ، وَلَا يَضُرُّ التَّأْخِيرُ بِقَدْرِ مَا يَشْتَغِلُ بِهِ الْمَرْءُ مِنْ تَعَلُّقَاتِ الصَّلَاةِ كَالْغُسْلِ وَنَحْوِهِ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَجَازَ الْمُعَصْفَرَ لِلْمُحْرِمِ، وَرَدَّهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنَيِّرِ بِأَنَّ الْحَجَّاجَ لَمْ يَكُنْ يَتَّقِي الْمُنْكَرَ الْأَعْظَمَ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَتَّقِيَ الْمُعَصْفَرَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْهَ ابْنُ عُمَرَ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يُنْجَعُ فِيهِ النَّهْيُ، وَلِعِلْمِهِ أَنَّ النَّاسَ لَا يَقْتَدُونَ بِالْحَجَّاجِ، وَنَظَرَ فِيهِ الْحَافِظُ بِأَنَّ الْحُجَّةَ إِنَّمَا هِيَ بِعَدَمِ إِنْكَارِ ابْنِ عُمَرَ فَبِهِ يَتَمَسَّكُ النَّاسُ فِي اعْتِقَادِ الْجَوَازِ.
وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: فِيهِ تَأْمِيرُ الْأَدْوَنِ عَلَى الْأَفْضَلِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنَيِّرِ بِأَنَّ صَاحِبَ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَلَا سِيَّمَا فِي تَأْمِيرِ الْحَجَّاجِ، وَإِنَّمَا أَطَاعَ ابْنُ عُمَرَ بِذَلِكَ فِرَارًا مِنَ الْفِتْنَةِ.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَالْقَعْنَبِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَشْهَبَ الثَّلَاثَةُ عَنْ مَالِكٍ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute