للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ، وَلَوْلَا اشْتِرَاطُ الْوَلَاءِ لَمَا تَرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّوَاتِبَ.

وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمَا لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِقَامَةِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي الْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَأَمَرَ رَجُلًا فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَمَرَ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ، فَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لَهُمَا، وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ، وَاخْتَارَهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا مَرْفُوعًا. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقُلْتُ بِهِ.

وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ إِنْ أَرَادَ بِهِ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيثِ، فَهُوَ مَرْفُوعٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ كَوْنَ الْعِشَاءَيْنِ فِي هَذَا الْوَقْتِ؛ فَيَكُونُ ذِكْرُ الْأَذَانَيْنِ وَالْإِقَامَتَيْنِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ.

وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ خَالِدٍ كَانَ يَتَعَجَّبُ مِنْ مَالِكٍ حَيْثُ أَخَذَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْكُوفِيِّينَ، مَعَ كَوْنِهِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَمَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَرْوِهِ، وَيَتْرُكُ مَا رُوِيَ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مَرْفُوعٌ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَأَنَا أَعْجَبُ مِنَ الْكُوفِيِّينَ حَيْثُ أَخَذُوا بِرِوَايَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ، وَتَرَكُوا قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ مَعَ أَنَّهُمْ لَا يَعْدِلُونَ بِهِ أَحَدًا.

وَأَجَابَ الْحَافِظُ بِأَنَّ مَالِكًا اعْتَمَدَ صَنِيعَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَرْوِهِ فِي الْمُوَطَّأِ فَقَدْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ، ثُمَّ أَوَّلَهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَهُ تَفَرَّقُوا عَنْهُ فَأَذِنَ لَهُمْ لِيَجْتَمِعُوا لِيَجْمَعَ بِهِمْ وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفَهُ وَلَوْ تَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ فِي حَقِّ عُمَرَ، لِكَوْنِهِ الْإِمَامَ الَّذِي يُقِيمُ لِلنَّاسِ حَجَّهُمْ،، لَمْ يَتَأَتَّ لَهُ فِي حَقِّ ابْنِ مَسْعُودٍ لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ لَا يَحْتَاجُ فِي جَمْعِهِمْ إِلَى مَنْ يُؤَذِّنُهُمْ.

وَاخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ حَدِيثَ جَابِرٍ فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.

وَجَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثَةِ، أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَكَأَنَّهُ رَآهُ مِنَ الْأَمْرِ الْمُخَيَّرِ فِيهِ، وَعَنْهُ صِفَةٌ رَابِعَةٌ: الْإِقَامَةُ لَهُمَا مَرَّةً وَاحِدَةً، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَخَامِسَةٌ: الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَسَادِسَةٌ: تَرْكُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِيهِمَا، رَوَاهُ ابْنُ حَزْمٍ، انْتَهَى مُلَخَّصًا.

فَلِلَّهِ دَرُّ مَالِكٍ مَا أَدَقَّ نَظَرَهُ، لَمَّا اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ، وَأَخَذَ بِمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ لِاعْتِضَادِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَّ فِي الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ أَنَّ الْوَقْتَ لَهُمَا جَمِيعًا وَقْتٌ وَاحِدٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تُصَلَّى فِي وَقْتِهَا لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةٌ أَوْلَى بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ مِنَ الْأُخْرَى، لِأَنَّهُ لَيْسَ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فَائِتَةً تُقْضَى، وَإِنَّمَا هِيَ صَلَاةٌ تُصَلَّى فِي وَقْتِهَا، وَكُلُّ صَلَاةٍ صُلِّيَتْ فِي وَقْتِهَا فَسُنَّتُهَا أَنْ يُؤَذَّنَ لَهَا وَتُقَامَ فِي الْجَمَاعَةِ وَهَذَا بَيِّنٌ، انْتَهَى.

وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْوُضُوءِ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ، وَالْبُخَارِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>