عَلَيْهَا مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ أَخُو مُوسَى عِنْدَ مُسْلِمٍ بِمِثْلِ لَفْظِهِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عُقْبَةَ أَخُوهُمَا فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا بِلَفْظِ: فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا لَيْسَ بِالْبَالِغِ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِلَفْظِ: فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ، وَلَمْ يَكُنْ عَادَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَاشِرَ ذَلِكَ مِنْهُ أَحَدٌ حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ.
وَأَمَّا اعْتِلَالُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يُشْرَعُ مَرَّتَيْنِ لِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِاحْتِمَالٍ أَنَّهُ تَوَضَّأْ ثَانِيًا عَنْ حَدَثٍ طَارِئٍ، وَلَيْسَ شَرْطُ تَجْدِيدِهِ إِلَّا لِمَنْ صَلَّى بِهِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، بَلْ أَجَازَهُ جَمَاعَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ خِلَافَهُ، أَوْ إِنَّمَا تَوَضَّأَ، أَوَّلًا لِيَسْتَدِيمَ الطَّهَارَةَ، وَلَا سِيَّمَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، لِكَثْرَةِ ذِكْرِ اللَّهِ حِينَئِذٍ، وَخَفَّفَ الْوُضُوءَ لِقِلَّةِ الْمَاءِ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا تَرَكَ إِسْبَاغَهُ حَتَّى نَزَلَ الشِّعْبَ لِيَكُونَ مُسْتَصْحِبًا لِلطَّهَارَةِ فِي طَرِيقِهِ، وَتَجَوَّزَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ وَأَرَادَهَا أَسْبَغَهُ.
(فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلَاةَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ، أَوْ بِتَقْدِيرِ أَتَذْكُرُ أَوْ تُرِيدُ، قَالَ الْحَافِظُ: وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَتُصَلِّي (يَا رَسُولَ اللَّهِ) ؟ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى تَقْدِيرِ: حَضَرَتِ الصَّلَاةُ مَثَلًا (قَالَ: الصَّلَاةُ) بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ (أَمَامَكَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ مَوْضِعُ هَذِهِ الصَّلَاةِ قُدَّامَكَ، وَهُوَ الْمُزْدَلِفَةُ، فَهُوَ مِنْ ذِكْرِ الْحَالِ، وَإِرَادَةِ الْمَحَلِّ، أَوِ التَّقْدِيرُ وَقْتُ الصَّلَاةِ قُدَّامَكَ، فَفِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ، إِذِ الصَّلَاةُ نَفْسَهَا لَا تُوجَدُ قَبْلَ إِيجَادِهَا، وَإِذَا وُجِدَتْ لَا تَكُونُ أَمَامَهُ، أَوْ مَعْنَى أَمَامَكَ: لَا تَفُوتُكَ وَسَتُدْرِكُهَا، وَفِيهِ تَذْكِيرُ التَّابِعِ مَا تَرَكَهُ مَتْبُوعُهُ لِيَفْعَلَهُ، أَوْ يَعْتَذِرَ عَنْهُ، أَوْ يُبَيِّنَ لَهُ وَجْهَ صَوَابِهِ.
(فَرَكِبَ) نَاقَتَهُ الْقَصْوَاءَ (فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ) بِمَاءِ زَمْزَمَ (فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ) فِيهِ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ دُونَ فَصْلٍ بِصَلَاةٍ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْدَثَ (ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ) بِالنَّاسِ قَبْلَ حَطِّ الرِّحَالِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ.
(ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ) مِنَّا (بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ) رِفْقًا بِالدَّوَابِّ، أَوْ لِلْأَمْنِ مِنْ تَشْوِيشِهِمْ بِهَا (ثُمَّ أُقِيمَتِ الْعِشَاءُ، فَصَلَّاهَا) بِالنَّاسِ، وَبَيَّنَ مُسْلِمٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ: أَنَّهُمْ لَمْ يَزِيدُوا بَيْنَ الْوُقُوفِ عَلَى الْإِنَاخَةِ، وَلَفْظُهُ: فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ النَّاسُ، وَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى أَقَامَ الْعِشَاءَ، فَصَلُّوا، ثُمَّ حَلُّوا، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ خَفَّفَ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاتَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ، وَمَعْنَاهُ الْيَسِيرُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَقْطَعُ ذَلِكَ الْجَمْعُ وَجَمْعُ التَّأْخِيرِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَهُوَ إِجْمَاعٌ، لَكِنَّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَطَائِفَةٍ بِسَبَبِ السَّفَرِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بِسَبَبِ النُّسُكِ، وَأَغْرَبَ الْخَطَابِيُّ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الْحَاجُّ الْمَغْرِبَ إِذَا أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى يَبْلُغَ الْمُزْدَلِفَةَ، وَلَوْ أَجْزَأَتْهُ فِي غَيْرِهَا لَمَّا أَخَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ وَقْتِهَا الْمُوَقَّتِ لَهَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ.
(وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا) أَيْ لَمْ يَتَنَفَّلْ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْجَمْعِ، لِأَنَّ الْجَمْعَ يَجْعَلُهُمَا كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، فَوَجَبَ الْوَلَاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute