عِيَاضٌ: وَلِأَنَّ فِي تَكْرَارِ مَشَاعِرِ الْحَجِّ، وَمَنَاسِكِهِ مِقْدَارُ الْمَسَافَةِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا قَصْرُ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ: إِنَّمَا يَجُوزُ الْقَصْرُ لِغَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَمِنًى وَعَرَفَةَ، لِأَنَّهُمْ مُقِيمُونَ أَوْ فِي سَفَرٍ قَصِيرٍ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: لَوْ لَمْ يَجُزِ الْقَصْرُ لِأَهْلِ مَكَّةَ بِمِنًى، لَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتِمُّوا، وَلَيْسَ بَيْنَ مِنًى وَمَكَّةَ مَسَافَةُ قَصْرٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ لِلنُّسُكِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَوَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: " «شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفَتْحَ، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» "، فَكَأَنَّهُ تَرَكَ إِعْلَامَهُمْ بِذَلِكَ بِمِنًى اسْتِغْنَاءً بِمَا تَقَدَّمَ بِمَكَّةَ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَوْ صَحَّ فَالْقِصَّةُ فِي الْفَتْحِ، وَقِصَّةُ مِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَكَانَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ لِبُعْدِ الْعَهْدِ، قَالَ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَصْلَ الْبَحْثِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْمَسَافَةَ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى لَا قَصْرَ فِيهَا، وَهِيَ مِنْ مَحَالِّ الْخِلَافِ، انْتَهَى.
عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُدَّعَى أَنَّ حَدِيثَ عِمْرَانَ لَوْ صَحَّ مِنْ أَدِلَّتِنَا، إِذْ قَوْلُهُ ذَلِكَ لِأَهْلِ مَكَّةَ فِيهَا دُونَ قَوْلِهِ لَهُمْ لَمَّا حَجُّوا مَعَهُ بِمِنًى وَعَرَفَةَ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ يَقْصُرُونَ فِي ذَلِكَ كَمَا فَهِمَهُ أَسْلَمُ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute