للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَذْبَحُونَ فِيهَا لِطَوَاغِيتِهِمْ، فَشُرِعَ فِيهَا التَّكْبِيرُ إِشَارَةً إِلَى تَخْصِيصِ الذَّبْحِ لَهُ وَعَلَى اسْمِهِ عَزَّ وَجَلَّ.

(قَالَ مَالِكٌ: الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ) كَمَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَادَ: وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ الْعَشْرِ، رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ.

وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ الَّتِي قَبْلَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمُ عَرَفَةَ، وَالْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ " وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَظَاهِرُهُ إِدْخَالُ يَوْمِ الْعِيدِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " الْمَعْلُومَاتُ: يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ "، وَرَجَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: ٢٨] (سُورَةُ الْحَجِّ: الْآيَةُ ٢٨) فَإِنَّهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَيَّامُ النَّحْرِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ تَسْمِيَةَ أَيَّامِ الْعَشْرِ مَعْلُومَاتٍ، وَلَا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ مَعْدُودَاتٍ، بَلْ تَسْمِيَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَعْدُودَاتٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: ٢٠٣] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ٢٠٣) الْآيَةَ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ مَعْدُودَاتٍ لِأَنَّهَا إِذَا زِيدَ عَلَيْهَا شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ حَصْرًا، أَيْ فِي حُكْمِ حَصْرِ الْعَدَدِ، ثُمَّ مُقْتَضَى كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ مَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ أَوْ يَوْمَانِ، لَكِنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ سَبَبِ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ يَقْتَضِي دُخُولَ يَوْمِ الْعِيدِ فِيهَا.

وَقَدْ حَكَى أَبُو عُبَيْدٍ قَوْلَيْنِ: أَحَدَهُمَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشَرِّقُونَ فِيهَا لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ: أَيْ يُقَدِّدُونَهَا وَيُبْرِزُونَهَا لِلشَّمْسِ.

ثَانِيَهُمَا: لِأَنَّهَا كُلَّهَا أَيَّامُ تَشْرِيقٍ لِصَلَاةِ يَوْمِ النَّحْرِ، فَصَارَتْ تَبَعًا لِيَوْمِ النَّحْرِ، وَهَذَا أَعْجَبُ الْقَوْلَيْنِ إِلَيَّ.

وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْعِيدَ إِنَّمَا يُصَلَّى بَعْدَ أَنْ تُشْرِقَ الشَّمْسُ.

وَعَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: لِأَنَّ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا لَا تُنْحَرُ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ، وَكَأَنَّ مَنْ أَخْرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ مِنْهَا لِشُهْرَتِهِ بِلَقَبٍ يَخُصُّهُ وَهُوَ يَوْمُ الْعِيدِ، وَإِلَّا فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ تَبَعٌ لَهُ فِي التَّسْمِيَةِ كَمَا تَبَيَّنَ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَلِيٍّ: " لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ "، رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مَوْقُوفًا، وَمَعْنَاهُ لَا صَلَاةَ جُمُعَةٍ، وَلَا صَلَاةَ عِيدٍ.

وَمِنْهُ حَدِيثُ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا: " «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ التَّشْرِيقِ فَلْيُعِدْ» " أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: التَّشْرِيقُ التَّكْبِيرُ دُبُرَ الصَّلَاةِ، أَيْ لَا تَكْبِيرَ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ.

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا لَمْ نَجِدْ أَحَدًا يَعْرِفُهُ، وَلَا وَافَقَهُ عَلَيْهِ صَاحِبَاهُ وَلَا غَيْرُهُمَا، انْتَهَى. وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>