عَبْدَ اللَّهِ حَدَّثَهُ: « (أَنَّهُ قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) عَلَى نَاقَتِهِ» كَمَا فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَيُونُسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَمَعْمَرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فَرِوَايَةُ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ مَالِكٍ: جَلَسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَامَ رَجُلٌ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَكِبَ نَاقَتَهُ، وَجَلَسَ عَلَيْهَا (لِلنَّاسِ بِمِنًى) زَادَ التِّنِّيسِيُّ وَالنَّيْسَابُورِيُّ وَغَيْرُهُمَا: فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَقَفَ عِنْدَ الْجَمْرَةِ، وَأُخْرَى: فَخَطَبَ يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ عِيَاضٌ: جَمَعَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ مَوْقِفٌ وَاحِدٌ، وَمَعْنَى خَطَبَ أَيْ عَلَّمَ النَّاسَ لَا أَنَّهَا مِنْ خُطَبِ الْحَجِّ الْمَشْرُوعَةِ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ ذَلِكَ فِي مَوْطِنَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَلَى رَاحِلَتِهِ عِنْدَ الْجَمْرَةِ، وَلَمْ يُقَلْ فِي هَذَا خُطَبٌ.
وَالثَّانِي: يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَذَلِكَ فِي وَقْتِ الْخُطْبَةِ الْمَشْرُوعَةِ مِنْ خُطَبِ الْحَجِّ يُعَلِّمُ الْإِمَامُ فِيهَا النَّاسَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَنَاسِكِهِمْ، وَصَوَّبَ النَّوَوِيُّ هَذَا الثَّانِي.
قَالَ الْحَافِظُ: فَإِنْ قِيلَ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الِاحْتِمَالَيْنِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ طَرِيقِ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو وَابْنِ عَبَّاسٍ بَيَانِ الْوَقْتِ الَّذِي خَطَبَ فِيهِ مِنَ النَّهَارِ، قُلْنَا: نَعَمْ، لَمْ يَقَعِ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ، لَكِنَّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ بَعْضَ السَّائِلِينَ قَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَمَا أَمْسَيْتُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ لِإِطْلَاقِ الْمَسَاءِ عَلَى مَا بَعْدَهُ فَكَأَنَّ السَّائِلَ عَلِمَ أَنَّ السُّنَّةَ رَمْيُ الْجَمْرَةِ ضُحًى، فَلَمَّا أَخَّرَهَا إِلَى الزَّوَالِ سَأَلَ عَنْهُ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَمْرٍو مَخْرَجُهُ وَاحِدٌ، لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ غَايَتُهُ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْآخَرُ، وَاجْتَمَعَ مِنْ مَرْوِيِّهِمْ، وَمَرْوِيِّ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَخْطُبُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ، فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَعَيَّنَ أَنَّهَا الْخُطْبَةُ الْمَشْرُوعَةُ لِتَعَلُّمِ بَقِيَّةِ الْمَنَاسِكِ، فَلَيْسَ قَوْلُهُ خَطَبَ مَجَازًا عَنْ مُجَرَّدِ التَّعْلِيمِ بَلْ هِيَ حَقِيقِيَّةٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِهِ عِنْدَ الْجَمْرَةِ أَنْ يَكُونَ حِينَئِذٍ رَمَاهَا، فَفِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ، فَذَكَرَ خُطْبَتَهُ» " فَلَعَلَّ ذَلِكَ وَقَعَ بَعْدَ أَنْ أَفَاضَ، وَرَجَعَ إِلَى مِنًى، انْتَهَى.
وَقَالَ الْأُبِّيُّ: تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ الْفُتْيَا عَلَى الدَّابَّةِ عِنْدَ الْجَمْرَةِ، فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ خُطْبَةً.
(وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ: فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ، وَأُخْرَى فَطَفِقَ نَاسٌ يَسْأَلُونَهُ (فَجَاءَهُ رَجُلٌ) قَالَ الْحَافِظُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ بَعْدَ الْبَحْثِ الشَّدِيدِ، وَلَا عَلَى اسْمِ أَحَدٍ مِمَّنْ سَأَلَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَكَانُوا جَمَاعَةً، لَكِنْ فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ: كَانَ الْأَعْرَابُ يَسْأَلُونَهُ، فَكَانَ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي عَدَمِ ضَبْطِ أَسْمَائِهِمْ (فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ) بِضَمِّ الْعَيْنِ، أَيْ أَفْطَنْ، يُقَالُ: شَعُرْتُ بِالشَّيْءِ شُعُورًا إِذَا فَطِنْتَ لَهُ، وَقِيلَ: الشُّعُورُ: الْعِلْمُ، وَلَمْ يُفْصِحْ فِي رِوَايَةٍ مَالِكٍ بِمُتَعَلِّقِ الشُّعُورِ، وَبَيَّنَهُ يُونُسُ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: لَمْ أَشْعُرْ أَنَّ الرَّمْيَ قَبْلَ الْحَلْقِ (فَحَلَقْتُ) شَعْرَ رَأْسِي (قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ) وَفِي رِوَايَةٍ: قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، وَالْفَاءُ سَبَبِيَّةٌ، جَعَلَ الْحَلْقَ مُسَبَّبًا عَنْ عَدَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute