الشُّعُورِ كَأَنَّهُ يَعْتَذِرُ لِتَقْصِيرِهِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْحَرْ) وَفِي رِوَايَةٍ: اذْبَحْ (وَلَا حَرَجَ) قَالَ عِيَاضٌ: لَيْسَ أَمْرًا بِالْإِعَادَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ إِبَاحَةٌ لِمَا فَعَلَ، لِأَنَّهُ سَأَلَ عَنْ أَمْرٍ فُرِغَ مِنْهُ، فَالْمَعْنَى: افْعَلْ ذَلِكَ مَتَى شِئْتَ، وَنَفْيُ الْحَرَجِ بَيِّنٌ فِي رَفْعِ الْفِدْيَةِ عَنِ الْعَامِدِ وَالسَّاهِي، وَفِي رَفْعِ الْإِثْمِ عَنِ السَّاهِي، وَأَمَّا الْعَامِدُ، فَالْأَصْلُ أَنَّ تَارِكَ السُّنَّةِ عَمْدًا لَا يَأْثَمُ إِلَّا أَنْ يَتَهَاوَنَ، فَيَأْثَمَ لِلتَّهَاوُنِ لَا لِلتُّرْكِ.
(ثُمَّ جَاءَهُ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ) : أَفْطِنْ، أَوْ أَعْلَمْ، زَادَ يُونُسُ: أَنَّ الرَّمْيَ قَبْلَ النَّحْرِ (فَنَحَرْتُ) الْهَدْيَ (قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ) الْجَمْرَةَ (قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ) أَيْ لَا ضِيقَ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ، زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ: وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " وَقَالَ آخَرُ: أَفَضْتُ إِلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ "، وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ زِيَادَةُ الْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ، فَحَاصِلُ مَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو السُّؤَالُ عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: الْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَالنَّحْرِ قَبْلَ الرَّمْيِ، وَالْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ، وَالْإِفَاضَةِ قَبْلَ الرَّمْيِ، وَالْأُولَيَانِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا فِي الصَّحِيحِ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا السُّؤَالُ عَنِ الْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ، وَفِي حَدِيثٍ عَلِيٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ: السُّؤَالُ عَنِ الْإِفَاضَةِ قَبْلَ الْحَلْقِ وَفِي حَدِيثِهِ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ: وَالسُّؤَالُ عَنِ الرَّمْيِ وَالْإِفَاضَةِ مَعًا قَبْلَ الْحَلْقِ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ: السُّؤَالُ عَنِ الْإِفَاضَةِ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَفِي حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ: السُّؤَالُ عَنِ السَّعْيِ قَبْلَ الطَّوَافِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، ثُمَّ طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ سَعَى قَبْلَ الطَّوَافِ، أَيِ الرُّكْنِ، فَهَذَا مَا تَحَذَّرَ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ، وَبَقِيَ عِدَّةُ صُوَرٍ لَمْ يَذْكُرْهَا الرُّوَاةُ إِمَّا اخْتِصَارًا، وَإِمَّا لِأَنَّهَا لَمْ تَقَعْ، وَبَلَغَتْ بِالتَّقْسِيمِ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ صُورَةً مِنْهَا صُورَةُ التَّرْتِيبِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا، وَهِيَ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، ثُمَّ نَحْرُ الْهَدْيِ أَوْ ذَبْحُهُ، ثُمَّ الْحَلْقُ، أَوِ التَّقْصِيرُ ثُمَّ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى مِنًى، فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى، فَنَحَرَ، وَقَالَ لِلْحَالِقِ: جُزَّ " وَلِأَبِي دَاوُدَ: " رَمَى ثُمَّ نَحَرَ ثُمَّ حَلَقَ» "، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَطْلُوبِيَّةِ هَذَا التَّرْتِيبِ، إِلَّا أَنَّ ابْنَ الْجَهْمِ اسْتَثْنَى الْقَارِنَ، فَقَالَ: لَا يَحْلِقُ حَتَّى يَطُوفَ، كَأَنَّهُ لَاحَظَ أَنَّهُ فِي عَمَلِ الْعُمْرَةِ وَالْعُمْرَةُ يَتَأَخَّرُ فِيهَا الْحَلْقُ عَنِ الطَّوَافِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْإِجْزَاءِ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، إِلَّا أَنَّهُ اخْتَلَفُوا فِي الدَّمِ، فَأَوْجَبَهُ مَالِكٌ فِي تَقْدِيمِ الْإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَتِهِ حَدِيثُ الْبَابِ، وَلَا يَلْزَمُ بِزِيَادَةِ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي ابْنِ شِهَابٍ، وَأَوْجَبَ الْفِدْيَةَ فِي تَقْدِيمِ الْحَلْقِ عَلَى الرَّمْيِ لِوُقُوعِهِ قَبْلَ شَيْءٍ مِنَ التَّحَلُّلِ.
وَذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ، وَعَلَيْهِ الدَّمُ فِي كُلِّ الْمُخَالَفَةِ، وَتَأَوَّلَ: لَا حَرَجَ عَلَى نَفْيِ الْإِثْمِ، لِأَنَّهُ فُعِلَ عَلَى الْجَهْلِ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute